تشوه حبوب الأرز.. خطر صامت يهدد المحصول والتقاوي

أوضح الدكتور فيصل يوسف، أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا علم البذور بمركز البحوث الزراعية، أنه وسط جهود الدولة لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، يواجه محصول الأرز – أحد الأعمدة الأساسية لسلة الغذاء في مصر – تهديدًا حقيقيًا يتمثل في ظاهرة "تشوّه لون الحبوب"، التي تؤثر على جودة الإنتاج وكميته، وتفتح الباب أمام سلسلة من الخسائر الزراعية والاقتصادية إذا لم يُتدارك الأمر مبكرًا.
وأشار إلى خطورة هذه الظاهرة، موضحًا أن تشوّه لون الحبوب لا يؤثر فقط على الشكل الظاهري لحبة الأرز، بل يمتد تأثيره إلى البنية الداخلية للحبة، ما يؤدي إلى انخفاض معدل امتلائها وبالتالي انخفاض وزنها ومحصولها النهائي.
تشوّه الحبة... خسارة في الشكل والمضمون
وأكد الدكتور يوسف أن هذا التشوّه يؤثر سلبًا على عملية التبييض والتقشير، حيث يزيد من نسبة الكسر في الحبوب أثناء التصنيع، الأمر الذي يقلل من جودة الأرز التجاري المعدّ للاستهلاك المحلي أو التصدير.
كما أن الحبوب المصابة تفقد صلاحيتها للاستخدام كتقاوي في المواسم التالية، نتيجة تراجع نسبة إنباتها، فضلاً عن خطر انتقال العدوى الفطرية من الحبة إلى البادرة ثم إلى النبات الكامل.
بقع صغيرة.. لكنها تحمل مرضاً كبيراً
تتنوع أعراض تشوّه لون الحبوب بحسب نوع الفطر المسبب، وتظهر في صورة بقع لونية مختلفة:
البقع الرمادية: يسببها فطر Alternaria alternata.
البقع البنية الفاتحة: ينتج عنها فطر Sarocladium oryzae.
البقع البنية الداكنة: تنتج عن فطر Bipolaris oryzae.
البقع القرنفلي: مؤشر على إصابة بفطر Fusarium moniliforme.
ويشير الدكتور يوسف إلى أن مواضع الإصابة تختلف من فطر لآخر؛ فبعضها يصيب أغلفة الحبة فقط، مثل Bipolaris oryzae وAlternaria padwickii، بينما يصيب البعض الآخر – مثل Sarocladium oryzae – الأغلفة والجنين والاندوسبرم، مما يفسر ضعف نسبة الإنبات لاحقًا.
ولا يقف الأمر عند هذه الأنواع، فهناك فطريات أخرى تُسهم أيضًا في تفاقم الظاهرة، من بينها فطر اللفحة Pyricularia oryzae، الذي يُعد من أكثر الأمراض شراسة في الأرز.
المحصول يتراجع... والخطر قائم
وفقًا للدراسات، فإن الخسائر في الإنتاج الناتجة عن ظاهرة تشوّه لون الحبوب قد تصل إلى 5% من إجمالي المحصول، وهي نسبة تُعد كبيرة في قطاع زراعي يعتمد على كل طن من الإنتاج، سواء لتغطية الطلب المحلي أو تحقيق فائض للتصدير.
الحل موجود.. لكن بالوعي والاستباق
وحول سبل المكافحة، أوضح الدكتور يوسف أن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب اعتماد استراتيجيات وقائية شاملة، تبدأ من اختيار تقاوي سليمة، وتنتهي بالرش بالمبيدات الفطرية المناسبة. الجدير بالذكر أن المواد الفعالة المستخدمة لمكافحة مرض اللفحة والتبقع البني يمكنها أيضاً مكافحة الفطريات المسببة لتشوّه لون الحبوب، إذا ما استُخدمت في التوقيت والمعدلات الموصى بها.
مستقبل الأرز مرهون بالرقابة والفحص
يرى الخبراء أن المستقبل يحمل تحديات أكبر لمحصول الأرز، مع تصاعد حدة التغيرات المناخية وانتشار الأمراض الفطرية. ومع ذلك، فإن التوعية بمخاطر تشوّه الحبوب، وتدريب المزارعين على اكتشاف العلامات المبكرة، وتطبيق برامج وقائية صارمة، يمكن أن يغير مسار الإنتاج ويحمي المحصول من خسائر كان يمكن تجنبها.
ويختم الدكتور يوسف حديثه بالتأكيد على أن "المعركة ضد الفطريات تبدأ من الحبة، وأي إهمال في مراقبتها أو معالجتها مبكرًا قد يُكلفنا كثيرًا في المستقبل".