الخميس 28 مارس 2024 مـ 12:16 مـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

* جيلنا .. والنعمة *

نحن أكثر الأجيال إحساسا بنعمة الله علينا !.

فأينما وليت وجهك وجدت نعمة الله تغمرك ، وترغمك على السجود لله شكرا !.

فهذا السجاد وتلك البسط الممدودة على أرضيات بيوتنا ، لم نكن نراها الا فى سراية الباشا وفى قصور الاقطاع !.

وتلك الحمامات السيراميك البراقة المنقوشة مثل مقابر الفراعين تعيد ذاكرتك إلى أكوام السباخ المزروعة فى أجران قريتنا بين المنازل الطينية والتى شكلت ( بيوت أدب ) للصغار ، بينما كانت حمامات المساجد وشاطىء النيل ( بيوت أدب  ) للكبار من الرجال والنساء !.

وعندما أطالع دولاب ملابسى يقفز إلى مخيلتى أن اول بنطلون جديد وقميص ارتديتهما كان ذلك وانا مقدم على دخول الجامعة ، واشترى لى والدى يرحمه الله حذاء بنصف جنيه ، دون اعتبار لمقاسى ، معللا ذلك بأن الحذاء سيتسع ( بالدهس  ) وكثرة الاستخدام ، لو كان ضيقا ، بينما يمكن علاج اتساعه بوضع قطعة من القماش فى فمه !.

وكانت الدجاجة لاتذبح الا اذا مرضت ، او كانت علاجا لمريض !.

ولم نعرف أن البيض يؤكل إلا فى سن العاشرة ،  كنا نحسبه عملة نشترى بها كراساتنا ونحلق بها أدمغتنا !.

دخل الراديو إلى منزلنا فى منتصف الخمسينيات ،  فكان حدثا جللا ، لايقارن بما نعيشه اليوم حيث صار كل منا مجرد سنترال متنقل ، بل شبكة اتصالات كاملة !.

لكننا فى المقابل ، كنا نعيش وفرة فى النعم المعنوية والأخلاقية والدينية والثقافية ، فكنا نقرأ بنهم شديد ، ولقد فرغت من قراءة طه حسين والعقاد وإحسان والمنفلوطى والمازنى وشوقى وحافظ وجبران  ، بل وديكارت وسارتر وتولستوى ورامبو وبوشكين وماركس وانجلز وانا دون العشرين ، وقبلها بسنوات كنت قد أتممت حفظ القرآن الكريم فى أحد كتاتيب القرية الذى تعلمت فيه أيضا القراءة والكتابة والحساب ، كل هذا مقابل عدة طواجن من اللبن ، وحلتين من البيض ، وحزمات من أشراش الثوم ، وربطات البصل !.

كان عندنا وفرة فى العلم والأخلاق ، فعرفنا معنى الأستاذ المعلم ، وقيمة الجار ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم ، وفرقنا بين الزميلة والصديقة والحبيبة ، وقبلنا أيدى كل من كان يكبرنا ،  وامتلأت قلوبنا بالسلام وتعطرت بالحب وتزينت بالإخلاص ، وصفت أرواحنا بصحيح الدين وصحيح الوطنية وصحيح التاريخ ، فحمدنا الله ، ومازالت ألسنتنا تلهج بحمده صباحا ومساء !.