السبت 27 أبريل 2024 مـ 01:47 صـ 17 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي
أكاديمية البحث العلمي: بدء قبول مُقترحات بحثية للنهوض بإنتاجية الأراضي الصحراوية ارتفاع حصيلة توريد القمح بالدقهلية بجميع المواقع التخزينية تفاصيل جولة وزير الري بـ«ترعة الشوربجي».. ويوجه بتطهيرها وجاهزيتها لموسم أقصي الإحتياجات تعرف على المعاملات الزراعية لزهرة البانسية حكاية ترعة.. 10 معلومات عن ترعة المحمودية مصر تستعد لنقلة نوعية في الاستزراع السمكي وبناء وإصلاح السفن والوحدات البحرية «الإسكان» تعلن الموقف التنفيذي لوحدات «سكن لكل المصريين» بأكتوبر الجديدة وموعد التسليم فوائد صحية مذهلة لـ«زيت الزيتون».. أبرزها حماية الكبد من الأمراض توصيات «مناخ الزراعة» للتعامل مع المحاصيل بعد انتهاء الكتلة الحارة.. ويحذر من السيول تحرير محاضر للمخابز المخالفة في أسيوط.. تعرف على التفاصيل «حراسة المنشأت ونقل الأموال» ترفع مذكرة بمقترحات الحد الأدنى للأجور «الزراعة» تشارك في دورة «مرصد الصحراء والساحل»: نقطة إلتقاء للشعوب الافريقية

تعديات زراعات الوادي والدلتا الأولى بـ «الإزالة»

فرق كبير بين التعدي بالبناء على أكثر من 300 ألف فدان زراعية في الوادي والدلتا، وعلى ضفتي النيل، من أسوان إلى الإسكندرية، منذ ثورة 25 يناير حتى اليوم، وغزو الصحراء لمن باعوا الغالي والنفيس بهدف التوسع في تعمير الصحاري، وتخفيف التكدس من قلب الوطن الكهل إلى أطرافه الجديدة الشابة.

فرق شاسع بين من حمل متاعه وأولاده وباع أرضه ورهن مصاغ زوجته وزوجات أبنائه، مؤمنا بآية "السعي في مناكب الأرض"، ومن تجاسر على حرث سنابل القمح وعيدان البرسيم الخضراء، ليحول أخصب أراضي مصر إلى "أحواش خردة"، ومعارض توكتوك، ومواقف سيارات نقل، وعشش عشوائية، تمهيدا لبيعها بالمتر.

بعد ثورة 25 يناير عانت مصر بطولها وعرضها من الانفلات الأمني، الذي ساهم في تفريخ الانفلات الأخلاقي أيضا، فتحول كبت الفلاحين المرتبط بخسائر الزراعة على مدى 10 أعوام مضت، إلى غل مضاد تجاه الفلاحة، للفوز بما يعرف في مصر بـ "أرض مبان"، ولا مقارنة بين سعري الأرض الزراعية وأرض المباني.

ولأن المخالفين اعتادوا "التحركات المرتعشة" للشرطة والمحليات في تنفيذ الإزالات على سبيل "التنفيذ الشكلي"، لم نر على أرض الواقع إزالات حقيقية، ولم يتوقف الزحف الهمجي على الأراضي الزراعية، ليستمر معدل الخسران الغذائي والبيئي والاقتصادي عند نحو 50 ألف فدان سنويا، وليجني المجرم الحقيقي الأرباح، وليكون نصيب معمري الصحاري "جزاء سنمار"، بوصفهم معتدين، و"سارقي حق الشعب"، على الرغم من أنهم يحولون الصحاري إلى وديان جديدة للتنمية والعمار.

الإزالات التي تنفذها الدولة في الصحراء حاليا، ستوقف حتما بيع الأرض ورهن البيت في الوادي والدلتا، بهدف زراعة الصحراء، لكنها لن تعيد ما دفعه ملايين المصريين لبائعي "وضع اليد" من أبناء قبائل الأعراب ساكني الصحاري، حيث ساد العرف بحقهم في تقسيم الصحراء إلى أحوزة قبلية، تعرفها الدولة جيدا.

ولأن شق الطرق في المجتمعات الجديدة تسهّل مرور قوافل التعمير والتنمية إلى قلب الصحراء، استبقت الدولة الزحف إلى الصحراء، بإعلان تلفزيوني مكرر بعدم السماح بالبناء أو الزراعة على جانبي الطرق الجديدة التي تشق الصحراء الغربية، بعمق 2 كيلو متر، ما دفع للاطمئنان بالعمل خارج الحد المعلن، صونا للجهد والمال من هدر الإزالات.

هذه الطرق جسدت أحلاما جديدة بطولها وعرضها لآلاف الباحثين عن فرص العمل، وتشغيل أبنائهم من الخريجين في قرى مصر، فصالوا وجالوا حتى حطت رحلهم في مواقع متناثرة، فكوا عندها أحزمتهم بما حملوه من أموال وأمتعة، ليحولوها إلى آبار، ومحطات شمسية، وطرق، وشبكات ري، ومباني عمال، ثم زراعات جادة تجسد الأمل في مجتمعات، تتوازى مع خطط رئيس الدولة وأحلامه في إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة منتجة ومفرحة.

هذه الخلايا المتناثرة في جسد الصحراء، أثبتت قدرتها على التكاثر الذاتي بالتوسع، أو بجذب المزيد من المتطلعين للحياة في "البراح"، لتجسيد أنوية كبيرة تصلح بالتجويد لخلق كيانات زراعية عملاقة، تحت إشراف الدولة، وذلك بالتدخل الحاسم لتقنينها، ورسم الأطر المؤسسية لجعلها منظومات إنتاجية رسمية، تعظّم ما تم تجميده فيها من أموال خاصة، ويسدد أصحابها للدولة أثمانا رحيمة لهذه الأراضي، فتضخ للخزينة العامة مليارات، بدلا من هدمها وتدميرها، مع أحلام الحالمين في دولة الرخاء.

إذا كانت الدولة قد أظهرت فعلا العين الحمراء لإزالة ما تراه "تعديات" على خططها "المسقعة" لصالح مستثمرين، فكان من الأجدى الاستقواء الطبيعي والمنطقي والمشروع، لإنقاذ المزروعات المثمرة من تحت العشش العشوائية، ومخازن التكاتك والخردة، في غيطان مصر الخضراء، حيث يستلزم تحويل فدان رملي إلى طيني، أكثر من 60 عاما من المعاملات الزراعية التقليدية الجادة، مع الري بالغمر والتسميد العضوي، لتربية الخصوبة، والنماء المستدام الذي تتصف به أراضي "وادي ودلتا" النيل.

إن أقل ما يستحقه غزاة الصحراء، شهادات تقدير "تقنين"، لقاء ما أوجدوه من حركة تنموية هائلة، أسالت جمود الاستثمار في صناعة مواسير شبكات الري، ومؤسسات وكتائب حفر الآبار، ومصانع وشركات ومحلات بيع الأسمدة والمبيدات، وورش الصيانة، إلى جانب البيوت التي فتحت أبوابها بأرزاق جديدة، لقاء تشغيل العمالة، وإشاعة أجواء الرغد في بيوتنا الريفية.

الإزالات التي تنفذها الدولة حاليا، ربما تستند إلى استغاثات حكومية وقرارات لجان مكتبية، تظن أن المستثمر الموعود بهذه الأراضي، سيكون الأوفى والأجدى نفعا من آلاف الأسر المصرية التي آمنت بفكر الرئيس السيسي، ونداءاته المتكررة بضرورة العمل من أجل الإنتاج، فباعت كل ما ملكت لتلبية النداء، دونما حساب لاحتمالات الضياع في الصحاري، ودونما اعتبار لقسوة المعيشة، وغلبة الحياة بعيدا عن العمار.

أجزم بأن هذه اللجان المكتبية لا تعرف حقيقة الجهد والمال المبذولين في زراعة الصحراء، وقد تتجاهل أو تسقط عنها سهوا خطورة هذه الإزالات على الأمن المجتمعي، بسبب الاحتقان الناتج عن ضياع الماضي والحاضر، وفقدان الأمل في المستقبل، خاصة لمن التزموا بالزراعة خارج خطة الدولة حتى 2017، ومن تم توقيع أراضي الـ 1.5 مليون فدان فوق زراعاتهم التي فاقت ستة أعوام، كما زارتهم لجان "هيئة التعمير" ودفعوا رسوم بدء إجراءات التقنين.

تقنين أوضاع هؤلاء يصبح نفعا متعددا، إذ يحمي الأموال المستثمرة من دمار الإزالة، ويضخ لموازنة الدولة أموال التقنين، ويرفع مؤشر الرضا على الرئيس والحكومة.

هؤلاء الأولى باهتمام الدولة، وذلك بتقنين أوضاعهم، سواء فرادى أو مجموعات بملكيات تتراوح بين 100 فدان للفرد، وألف للمجموعات في شركات صغيرة، أو مساحات كبيرة للجمعيات الأهلية الزراعية الإنتاجية، لمنع تفتيت الحيازات، وربطها بمنظومة إرشادية رسمية، تضمن حفر الآبار بمواصفات علمية لسحب مقننات آمنة من الخزان الجوفي، وتركيب محصولي يساعد على تنمية مستدامة، ويصب في صالح سد الفجوة الغذائية.

مؤكد أن من شحذ همته، واتجه صوب المعركة طوعا، قد أعد العدة، وحسب الحساب للعمل الجاد، لذا فهو البديل عن خوض تجارب غير مضمونة، حيث لم يسبق أن نجحت تجربة لتوزيع الأراضي الصحراوية على شباب فرادى، كون هذه الفئة ربما يتطلع أبناؤها إلى امتلاك الأرض بهدف الهروب من البطالة فقط، ثم التخطيط لبيع حصصهم لصيادي الفرص وسماسرة التسقيع.