كنا نسميها مغازلات أو معاكسات كلامية، فى زمان غير زمان السبكى وأخوته، وكانت الفتيات يطربن لها، بل كانت الفتاة تبطىء الخطى فى مشيتها عند اقترابها من كوكبة من الشباب الواقفين على احدى النواصى، حتى تسمع ( ايه الحلاوة دى، انت ياقمر، انت ياجميل، ياأرض احرسى ماعليك، ياصفايح الزبدة السايحة) على رأى عمنا عبد الفتاح القصرى . ولأن قلب المرأة فى أذنيها، كما تقول العرب، والغوانى يغرهن الثناء، كما أفتى لنا أميرنا أحمد شوقى؛ فكانت الفتاة تبتسم فى دلال وهى تحاول لملمة شعرها الذى بعثره الهواء ولعبت به الريح والخجل الذى تداعبه الكلمات الرقيقة.
وعندما درسنا احوال الشعر والشعراء، عرفنا أنه حتى عند أجدادنا، كان هناك غزل عفيف، وآخر صريح، والصنف الأول كان يخاطب المشاعر والأحاسيس والوجدان، ويعكس لهيب الحب ونار الشوق وصبابة الجوى والوجد، وجاء على لسان كبار العاشقين الذين ارتبطت أسماؤهم بمن عشقوا، فقالوا عنتر عبلة، وكثير عزة، وجميل بثينة، وقيس ليلى، وقيس لبنى، وهكذا .
أما الصنف الثانى فقد كان فجاً اباحياً يخاطب الجسد، ويداعب الرغبة الحسية، ويصف مفردات المرأة الجسمية، وتفاصيل العلاقة معها، وقد تزعم هذا الصنف؛ عمر بن أبى ربيعة، وأبو نواس، وابن الرومى، ثم جاء نزار قبانى حديثاُ ليفتح كل المغاليق، ويتخطى كل الخطوط الحمراء، وان ظل فى اطار تقدير المرأة والتعامل معها كانسانة.
ولكن، ومثل كل الأشياء التى فسدت، وأطل علينا وجهها القبيح بعد اتفاقية السلام المزعوم مع الصهاينة، واختراقهم لنخاع المجتمع المصرى عن عمد، بكل مؤسساته وهيئاته وقطاعاته، تحول الغزل الى تحرش، وتحول التحرش الى اغتصاب، بلغ ذروة وقاحته عندما أغتصبت فتاة فى ميدان العتبة أمام الناس وعلى مرأى ومشهد منهم، وفى ليل رمضان، عام 1987 ، ثم توالت الاغتصابات العلنية المخزية فى ميدان التحرير فى الاعتصامات والفعاليات الثورية، سواء تم ذلك بطريقة عشوائية، أو كان مرتباً له، فان الأمر جريمة كاملة الأركان، مؤسفة.
ومع البطالة والانترنت وغادة عبد الرازق وهيفاء وهبى وصافيناز ودينا واللمبى ومحمد رمضان،وآلاف المواقع الاباحية، وغياب الأب فى الخليج لسنوات وسنوات، فقد وجد الشباب نفسه يتناول وجبة شديدة السُمية، فتحول التحرش عنده الى سعار جنسى، ولهاث شبقى، وأصبحت الفتاة فى الشارع مستباحة الجسد والنفس، فصارت تخشى الخروج من البيت، تحسباً لافتراسها من الذئاب والضباع الضالة، المتسكعين على النواصى والمشحونين بطاقة جنسية عنيفة، تنتظر أقرب ضحية لتفريغها فيها . ومازال المجتمع يبحث عن حل.