الأرض
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 مـ 03:44 صـ 10 ربيع أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

تعرف على دور الذكاء الاصطناعي بالزراعة

يشهد القطاع الزراعي العالمي تحولًا جذريًا، تقوده التكنولوجيا كحاجة ملحة لا كخيار إضافي. ففي ظل تصاعد التحديات البيئية والاقتصادية والمناخية، لم يعد إدماج الحلول الذكية في الزراعة ترفًا تقنيًا، بل بات ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي على المدى الطويل. ويأتي الذكاء الاصطناعي في صدارة هذه التحولات، حيث يُحدث نقلة نوعية تمتد من أعماق التربة إلى موائد المستهلكين، عبر آليات دقيقة تسهم في رفع الكفاءة، وخفض الفاقد، وتعزيز الاستدامة الزراعية عالميًا.

طلب غذائي متزايد وتحديات معقدة

تشير التوقعات إلى أن الطلب العالمي على الغذاء سيقفز بنسبة تقارب 56% بحلول عام 2050، مدفوعًا بالنمو السكاني والتوسع الحضري وتغير أنماط الاستهلاك. هذه الزيادة الهائلة في الطلب تتزامن مع تحديات كبرى، من أبرزها ندرة الموارد، وارتفاع التكاليف، ونقص الأيدي العاملة، والاضطرابات المناخية، ما يجعل الابتكار الزراعي ضرورة لا تحتمل التأجيل.

ذكاء اصطناعي لزراعة دقيقة ومستدامة

الذكاء الاصطناعي لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقع ملموس يسهم في تحسين الإنتاجية، وخفض الهدر، وتقليل التأثير البيئي. فبفضل تقنيات مثل الرؤية الحاسوبية، وتحليل البيانات، والطائرات بدون طيار، أصبحت الزراعة أكثر ذكاءً من أي وقت مضى.

1. تشخيص أمراض المحاصيل ومكافحة الآفات بدقة غير مسبوقة

تشكل الآفات الزراعية والأمراض أحد أخطر التهديدات لمحاصيل الغذاء حول العالم. لكن بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن رصد الأمراض النباتية في مراحلها الأولى بدقة تصل إلى 95%، عبر تقنيات التصوير الجوي والطائرات المسيّرة.

على سبيل المثال، تُستخدم نظم ذكية لتشخيص مرض "القشرة" في أشجار التفاح أو "الصدأ الأصفر" في القمح قبل تفشي الإصابة، مما يقلل الخسائر بشكل كبير. أما المصائد الرقمية مثل تلك التي طورتها شركة Trapview، فتعتمد على الفيرومونات والكاميرات لتحليل حركة الحشرات والتنبؤ بانتشارها، ما يسمح بالتدخل السريع وتقليل استخدام المبيدات.

2. مكافحة الحشائش والري الذكي: تقنيات تقلل الهدر وتعزز الإنتاج

الحشائش تستنزف الموارد وتعيق نمو المحاصيل. وهنا، برزت روبوتات مثل See & Spray التابعة لشركة "جون دير"، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمييز النباتات المستهدفة عن الحشائش بدقة متناهية، مما يقلل من استهلاك المبيدات بنسبة تصل إلى 90%.

وفي السياق ذاته، تقدم شركات مثل Naïo Technologies وCarbon Robotics روبوتات تزيل الحشائش باستخدام الليزر، دون أي تدخل كيميائي.

أما في مجال الري، فتقدم أنظمة ذكية مثل CropX حلولًا تعتمد على تحليل الرطوبة اللحظي للتربة، لتقديم المياه فقط عند الحاجة، ما يسهم في خفض استهلاك المياه وزيادة كفاءة الري.

3. مراقبة صحة المواشي: ذكاء اصطناعي يسبق الأعراض

تحوّلت مراقبة المواشي من المراقبة التقليدية إلى تحليلات سلوكية دقيقة عبر الذكاء الاصطناعي. أحد أبرز الأمثلة هو نظام CattleEye الذي يستخدم الكاميرات والذكاء الاصطناعي لمراقبة مشية الأبقار عن بُعد، والكشف المبكر عن الإصابات أو الالتهابات.

إلى جانب ذلك، تراقب الأنظمة الذكية نمط التغذية والظروف البيئية، ما يساهم في تحسين الإنتاجية ورفع جودة حياة الحيوان، وزيادة معدلات الحليب والتكاثر.

4. الزراعة الدقيقة: قرار مبني على البيانات

تُعد الزراعة الدقيقة من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد على تحليل البيانات التاريخية والآنية لاتخاذ قرارات أكثر فعالية بشأن التسميد، والري، والحصاد.

تُستخدم تقنيات "المعدل المتغير" (VRT) لتوزيع المياه والأسمدة والمبيدات فقط في الأماكن التي تحتاجها، ما يقلل الهدر ويزيد الكفاءة. وتُستخدم الطائرات بدون طيار لرصد علامات نقص العناصر أو الضغوط البيئية، مما يُمكّن من التدخل الفوري لحماية المحصول.

وتُسهم نماذج التنبؤ المستندة إلى الذكاء الاصطناعي في تحسين التخطيط اللوجستي وتخزين وتسويق المنتجات، ما يعزز استقرار السوق ويقلل الفاقد.

5. سلاسل الإمداد والبحث الزراعي: كفاءة واستدامة

يمتد أثر الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد المزرعة، ليشمل سلسلة التوريد بأكملها. تساعد التحليلات التنبؤية في ضبط الأسعار، وإدارة المخزون، ومنع الاختناقات اللوجستية.

كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تطوير أصناف زراعية مقاومة للجفاف والآفات، في وقت قياسي مقارنة بطرق البحث التقليدية.

وفي مجال الاستدامة، تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل صحة التربة، وقياس الكربون المخزون، ما يُمكّن المزارعين من تبني ممارسات زراعية تجديدية والاستفادة من حوافز "الكربون كريدت".

تُعد مبادرات مثل 100 Million Farmers Initiative مثالًا حيًا على الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في دعم التكيف مع التغير المناخي على نطاق واسع.

التحديات: تكلفة عالية ونقص في الخبرات

رغم هذه التطورات المتسارعة، إلا أن تكاليف التكنولوجيا المرتفعة لا تزال عائقًا رئيسيًا، خاصة لصغار المزارعين. كما أن نقص الكوادر الفنية المدربة يعيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات.

وتبقى جودة البيانات وتراكمها على مدى سنوات أحد أبرز التحديات أمام بناء نماذج دقيقة وفعالة. ورغم ذكاء هذه الأنظمة، إلا أن المزارع يظل العنصر الحاسم، فهو الوحيد القادر على اتخاذ قرارات فورية بناء على ظروف ميدانية لا تستطيع الآلة قراءتها بعد.

الخلاصة: شراكة بين الإنسان والآلة من أجل مستقبل الزراعة

الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن الفلاح، بل شريك له، يعزز قدراته، ويوسّع من إمكانياته، ويقوده نحو زراعة أكثر ذكاءً، واستدامة، واستعدادًا للمستقبل.

إن تحقيق الأمن الغذائي العالمي، في ظل التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية، لن يكون ممكنًا دون التكامل بين العقل البشري والتقنيات الحديثة. وبينما تقود الآلة جمع البيانات والتحليل والتنبؤ، يظل الإنسان هو من يوجّه، ويقرر، ويحصد الثمار.