الثلاثاء 19 مارس 2024 مـ 10:58 صـ 9 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

1.4 مليار طائر مصري .. من يحرق أجنحتها؟

عجبا لمن يتجاسر على عرقلة جهود دولة تسعى بكل أدواتها لتحقيق الأمن الغذائي، وهو الهدف الأسمى في أجندة أي رئيس، خاصة إذا كان هذا الهدف يتعلق بتوفير بروتين آمن، قليل التكلفة، غني صحيا، وفقير بالكوليسترول.

عانت مصر كثيرا في أعقاب جائحة أنفلونزا الطيور عام 2006، وبعد أن صعدت صناعة الدواجن فيها إلى مدرجات المصدرين، جاءتها الضربة البيولوجية غير المنتظرة، لتُعدَم القطعان، اعتبارا من الجدة، حتى الكتكوت، مرورا بأمهات التسمين والبياض، فتنفتح كل المصاريع لقبول الأمر الواقع (دواجن مجمدة، ومجزءات يتم تخزينها للفرم علفا للكلاب والقطط).

ومع هبوب رياح الصحة، بدأت عنابر دواجن مصر في التعافي درجة تلو الأخرى، ومعها تنغلق مصاريع الاستيراد واحدا تلو الآخر، لترتبك صدور المستوردين وبطونهم، ولتتحرك عقولهم نحو ملاعب الممارسات المسمومة، لحياكة خيوط المآمرات على الدواجن الطازجة، ومربيها.

لم يكتف المستوردون بالتلميح إلى أن منظومة تربية دواجن مصر، ما هي إلا صناعة أجنبية بالكامل، قاصدين حصر مدخلاتها المستوردة، مثل: الذرة، الصويا، الأدوية البيطرية، وإضافات الأعلاف، بل لجأوا للتصريح بأن الدجاجة البيضاء لا تصل إلى حجمها المثالي خلال 34 يوما إلا بالتدخل الهرموني الضار.

هؤلاء يتجاهلون تنامي العلم لدى الاختصاصيين من البيطريين والكيميائيين، الذين يفندون هذه الأباطيل بما هو أصح علميا وكيميائيا، حيث أن دول تصدير الدواجن، مثل: أستراليا، والبرازيل، هي التي ابتدعت استخدام الهرمونات في تسمين الماشية، وليس الدواجن، لتسريع عمليات تحويل الغذاء العلفي إلى لحوم، وهو ما لم يحدث أيضا في تربية الماشية داخل مصر، من باب الثقافة و"الشرعنة" السماوية.

ولرجم الشائعات بالعلم، يكفي أن نستخدم المعادلة الحسابية التي تقول إن جراما من الهرمونات المقصودة قد يُتَرجَم في منظومة تسمين الماشية إلى كيلو لحم، يبلغ سعره قائما نحو 55 جنيها للمربي، وهنا تُصبِح إضافته مبَررة اقتصاديا لهم، ليحقق فائضا من اللحوم التي يصدرونها إلى دول تعاني فجوات لحوم حمراء، مثل مصر، متجاهلة الأثر السلبي على صحة الإنسان الذي يتناول هذه اللحوم على المدى الطويل.

أما في خانة صناعة الدواجن، يُصبِح استخدام الهرمونات - إن وجدت، دربا من الجنون، كون المبلغ الذي يُنفقه المربي في جزء من الجرام للدجاجة، ثمنه أغلى من سعر الدجاجة كاملة، ولن يُتَرجَم إلى أكثر من "فكّة" المائة جرام لحمية، ما يعني تحقيق خسارة لا يتحملها حتى من "يغسل أموالا".

وبهذا التفسير الاقتصادي المسند بحقائق عقلانية، نصل إلى السؤال الجبري:

- من يقف وراء عرقلة جهود الدولة في الوصول بصناعة الدواجن الوطنية إلى حد الاكتفاء الذاتي والتصدير؟

لا أحد يجزم بقدرته على تحديد جهة أو كيان أو فرد، كي تُوجَه إليه أصابع الاتهام لوصفه بأنه "عدو للنجاح"، وحاقد على هذا البلد شعبا ورئيسا وحكومة، خاصة بعدما تأكد له أو لها، أن مصر نفذت فعلا شحنات تصديرية من حقل هذه الصناعة، تنوعت بين بيض التفريخ، وكتاكيت أمهات التسمين، وغيرها من مخرجات حلقات صناعة دواجن مصر.

وإذا كانت تكلفة الفرصة الوظيفية الواحدة تبلغ نحو 30 ألف دولار (نحو 500 ألف جنيه)، حسب البنك الدولي، فمعنى ذلك أن هذه الصناعة وحدها، بكل روافدها وشقيقاتها المتفرعة عنها والمساندة لها، والتي توفر نحو 5 ملايين وظيفة، تحمل عن كاهل الدولة نحو 2.3 تريليون جنيه كمبلغ إجمالي تستثمره الدولة لخلق 5 ملايين فرصة عمل، يحصل أصحابها على رواتب شهرية يبلغ متوسطها نحو 10 مليارات جنيه شهريا.

عدو النجاح هنا لا يكون عدوا عاديا، بل يوصف بأنه من نوع مدمر بقوة الزلازل الكبرى، حيث يحاول هدم قلاع صناعية وإنتاجية عملاقة، تشارك في ملكيتها وإدارتها، كيانات مالية وطنية، مثل البنوك، تستثمر فيها مدخراتنا نحن المصريين، وتدور من أجلها دوائر علمية وبحثية وإدارية في المدارس والكليات الفنية الزراعية، والبيطرية، إضافة إلى معاقل البحث العلمي المصرية في معاهدها ومراكزها القومية.

لم يستخدم المدمرون سوى أقذر الحروب، حيث يلجأون لتخويف المستهلك صحيا، وهم لا يعلمون أن لحوم الدواجن فقيرة جدا بالكوليسترول، غنية جدا بالبروتين الآمن على صحة الكبد، وأنها - أي لحوم الدواجن، البروتين الوحيد المسموح به لجميع الأعمار (طفولة، صبا، شباب، وكهولة).

ولأنها صناعة الفقراء والريفيين، فإن المستوردين لا يعنيهم هذا البعد الاقتصادي والحضاري المهم، كون هذه الصناعة تعد أحد دعائم العمالة المتخصصة في بلدان التربية (70٪ تربية ريفية)، أي أنها تمنع الهجرة إلى المدن بحثا عن وظيفة، أو فرصة عمل.

المستورد مهما زاد حجمه، لا يوظف عددا يزيد على أصابع يديه، لكن يكفي أن نشير هنا إلى أن 5 ملايين عامل وأكثر، يديرون منظومة إنتاجية يستثمر فيها مصريون أموالا وطنية لا تقل عن 100 مليار جنيه، لإنتاج نحو 3.8 مليون دجاجة تسمين من نحو 4.25 مليون كتكوت يتم تفريخهم كل طلعة شمس، و35 مليون بيضة مائدة كل يوم أيضا، وكل ذلك لضمان إضاءة حرف من شعار "تحيا مصر".

موضوعات متعلقة