الجمعة 19 أبريل 2024 مـ 02:10 مـ 10 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

ننتج 4 ملايين دجاجة يوميا .. ونستهلك 3.8 مليون .. فلماذا نستورد؟

مجازر دواجن مصر تراعي القواعد الصحية والشرعية
مجازر دواجن مصر تراعي القواعد الصحية والشرعية

حينما يعلن اتحاد منتجي الدواجن في مصر، أننا تخطينا الاكتفاء الذاتي من الدواجن وبيض المائدة، فتلك رسالة تطمين للقيادة السياسة بأن الأمن المجتمعي بخير، والذي أساسه الأمن الغذائي، ومعنى ذلك أنه لا حاجة للاستيراد الذي يضر ترسانة اقتصادية وطنية بهذا الحجم.

السؤال الذي يطرحه كل من يعمل بهذه الصناعة الوطنية العملاقة: نحن ننتج نحو 4 ملايين دجاجة يوميا، وفق برنامج غذائي وعلاجي آمن .. ونستهلك نحو 3.8 مليون دجاجة منها فقط، بمعنى أن لدينا فائض يقترب من 200 ألف دجاجة طازجة كل طلعة شمس، فلماذا نستورد؟
هذا السؤال دائم التكرار على مائدة مجلس إدارة الاتحاد، الذي يضم في عضويته كبار وصغار من أرباب صناعة تبلغ استثمارتها نحو 75 مليار جنيه، ويعمل بها نحو 5 ملايين عامل، بشكل ثابت، أو متغير، كما يضم أصحاب استثمارات عملاقة في مجالات: صناعة الأعلاف، المجازر، الأدوية البيطرية، والمصل واللقاح، وبرامج الأمن الحيوي ضد الأمراض الوبائية.

ولأن صناعة الدواجن ترتبط بتحديات عديدة، أهمها: الأمراض الوبائية المرتبطة بفصول السنة، ودرجات الحرارة، فإن جميع الدول العاملة في هذا المجال، قد تضطر للاستيراد في مواسم بعينها، في حالة ارتفاع معدل نفوق القطعان، أي تعرض نسبة كبيرة من قطعان التسمين إلى الموت بفعل الأمراض، ومنها: أنفلوانزا الطيور، وغيرها من الأمراض الفيروسية.

ولأن الاستيراد تفرضه ظروف محلية ودولية، وعلاقات اقتصادية متشابكة، فقد تدخل مجلس الوزراء منذ فبراير 2018، بناء على توجيه رئيس الجمهورية، ليضع قرارا بتشكيل اللجنة رقم 222 لسنة 2018، تكون مهمتها: تحديد كميات الدواجن المزمع استيرادها طبقا للاحتياجات الفعلية، وإعداد خطة عمل متكاملة للتوسع في صناعة الدواجن ودراسة المشكلات التي تواجهها، "ولا يمكن لشخص مسئول أن يتوقع مخالفة قرارات هذه اللجنة، بالاستيراد"، والجملة الأخيرة للدكتور نبيل درويش رئيس اتحاد منتجي الدواجن.

الدكتور نبيل درويش، قال في تصريح خاص، إن هذه اللجنة اجتمعت قبل رمضان، وأصدرت قرارا باستيراد 40 ألف طن دواجن مجمدة، احتسابا للطلب الزائد على الدواجن في رمضان، "لكن أحدا لم ينجح في استيراد دجاجة واحدة، بسبب ارتفاع أسعارها في الخارج، بفعل أزمة فيروس كورونا، وبالتالي وجد المستوردون أن أسعارها ليست منافسة للدجاجة المحلية الطازجة".

الدكتور نبيل درويش

هذا الأمر لم يجبر المستوردين ودعاة الاستيراد على التوقف، لكنهم لجأوا لحيلة استيراد المجزءات "الأوراك ـ أو أرجل الدواجن"، وهي الكارثة التي تناقلت أخبارها وشائعاتها، حتى زعم أحد المستوردين بأنه يملك شهادات استيراد "أرجل دواجن"، وهو ما نفاه جملة وتفصيلا وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، رئيس اللجنة 222 لسنة 2018.

الأخبار التي يتم تمريرها بثقة، بين أصحاب مصالح الاستيراد، تربك الصناعة، في كل حلقاتها، كونها دمرت صناعة الدواجن الروسية، قبل أن يعيدها الرئيس بوتين مرة أخرى، وفق آليات جديدة، حتى حققت الاكتفاء الذاتي لشعب روسيا، وفاقت دولا مثل أمريكا والصين في التصدير، حتى قيل أنها تصدر طلعة كل صباح نحو 30 مليون دجاجة.

أما المهندس محمود العناني عضو مجلس إدارة الاتحاد ذاته، فيرى أنه لا هدف لدعاة استيراد الدواجن أو مجزءاتها، غير تدمير صناعة وطنية، تمثل العمود الفقري لغذاء المصريين، مفسرا هذا الحديث بأنها صناعة المهمشين من الريفيين، الذين تمتصهم هذه الصناعة، فلا يجدون حاجة للهجرة نحو المدن الكبرى، بحثا عن العمل.

المهندس محمود العنانى

العناني يضيف أن ثقافة المستهلك المصري في حاجة إلى التغيير، حيث ينخفض معدل استهلاك الدواجن في مصر، عن أقل المعدلات العالمية، إذ يسجل 10 كجم للفرد سنويا، مقابل 60 كجم للفرد في دول الخليج، و20 كجم للفرد إفريقيا، و40 كجم في الولايات المتحدة، "على الرغم من أن اللحم الأبيض هو الغذاء البروتيني الأقل سعرا في العالم، والأكثر صحة، لانخفاض الكوليسترول فيه، ولسلامته بالنسبة لتغذية الأطفال والمسنين، وجميع الأعمار البشرية".

والأمر لا يقف عند الدعاية الصحية وسلامة الغذاء بالنسبة للبروتين الداجني، إذ يضع خالد سعودي منسق الجمعية المصرية لصغار منتجي الدواجن، بعدا آخر لا يقل أهمية، وهو البعد المالي، "كل كيلو جرام لحوم مجمدة مستوردة يساوي حاليا 2 كجم دواجن طازجة"، مفيدا أن عنصر الأمان والصحة الغذائية تتوافر في الدواجن الطازجة، كونها لا تحتوي على هرمونات، كما تقل في محتواها من الكوليسترول.

وعودة إلى فخ الاستيراد، يؤكد خالد سعودي أن المستوردين المصريين يقدمون خدمات جليلة للمجازر الأجنبية، حيث يخلصونها من عبء ثقيل، يتمثل في أرجل الدواجن، حيث تكلفهم الكثير في إعدامها، أو بيعها لمصانع أغذية الكلاب والقطط، بأقل من 10 سنتات للكيلو جرام، "لكن المصريين يشترونها بنحو نصف دولار للكيلو" .

المهندس خالد سعودى

ويوضح سعودي أن مخطط تصدير المجزءات إلى السوق المصرية، يراد به الإغراق أولا بالأجزاء "الرخيصة سعرا وقيمة"، "ثم إذا تأكدت الدول المصدّرة من خروج مصر من سوق الإنتاج بعد تدمير صناعتها، تلجأ لرفع السعر تدريجيا، كما حدث في السيناريو الروسي، ولذا يُخشى على المربين الصغار من الضياع، وهم ينتجون 85 % من إجمالي الإنتاج الداجني المصري".

يبقى أن يسلط هؤلاء الضوء على طبيعة "أرجل الدواجن" المستوردة، إذ يقول الدكتور سيد شلش أستاذ تغذية الدواجن في معهد بحوث صحة الحيوان ـ التابع لمركز البحوث الزراعية، إن ذبح الدواجن في الخارج لا يتم وفقا لمبادئ الشريعة السمحة، لا الإسلامية، ولا المسيحية، "لكن جمعيات الرفق بالحيوان، تفرض قانونها الذي يقضي بصعق الدواجن والماشية الحية، قبل ذبحها، حتى لا تشعر بالألم".

وخطورة هذا الإجراء، والحديث لشلش، تتمثل في موت الدجاجة أو رأس الماشية، قبل ذبحها، وبالتالي يتوقف قلبها عن ضخ الدماء للخارج، "ولأن الدجاجة يتم تعليقها في المجزر بحيث يكون رأسها وصدرها في اتجاه الجاذبية الأرضية، فيخرج الدم فقط من الجزء العلوي للدجاجة، ويظل مخزونا في الأرجل، وهو ما يفسر عدم استهلاك الأرجل أو الأوراك في الخارج".

والسؤال هنا: هل يوافق وزير التموين، ووزيرة الصحة، ورئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، على أن تكون مصلحة حفنة من المستوردين مقدمة على صحة شعب قوامه أكثر من 100 مليون نسمة؟

الأيام القليلة المقبلة، كفيلة بإظاهر النتائج، كما يقول أعضاء مجلس إدارة اتحاد منتجي الدواجن، ومنسق الجمعية المصرية لصغار المربين.