السبت 20 أبريل 2024 مـ 01:05 مـ 11 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

رحلة داخل جسم الانسان (2)

تكلمنا في المقالة السابقة، عن رحلة الصراع  والموت من أجل تكملة الحياة التي تخوضها الحيوانات المنوية داخل رحم الأم، لتخصيب بويضة ورأينا أنه في كل مرحلة هناك فرص كبيرة للموت، ولكنها إرادة الله في أن يكون هناك حيوان منوي واحد فقط سيكمل الحياة، ليس لأنه مميز ولكنها إرادة الله أن ينجح في كل هذه المراحل التي كُتبت عليه رغماً عنه، وملايين غيره قد ماتوا أثناء الرحلة والتي لايعلمون لماذا يخوضونها، ولكنها حرب كُتبت علينا وصراع كُتب علينا أن نخوضه، وكانت هذه مرحلة الا عقل والا وعي، ولكن بمجرد أن تشكلنا في صورة نشبه أباءنا وأصبحنا كيان في حياة جديدة أيضًا، لانعلم عنها شىء فكل ما يربط الطفل حديث الولادة بهذا العالم الخارجي هي رائحة أمه، فهو مازال لايميز الأشياء بنطره، فهو يرى كل شيء أبيض وأسود باهت اللون، ثم يبدأ بالفطرة رحلة البحث عن غذائه، فيكون ثدي أمه هو أول جرعة لبن به كل مايحتاجة لبن "السرسوب" الذي مجرد أن ذاقه وذاق حضن أمه ورائحتها أدمنها، وكأنه العالم بأسره، والحماية والأمان ثم تزداد حاسة الرؤية عنده مع الوقت، ويستطيع أن يفرق بين الوجوه وتقوى حاسة السمع لديه فيستطيع التميز بين الأصوات، ثم يخزن بأنفه كل الروائح وتخزن ذاكرته كل مايراه ويسمعه، ثم يفرح عندما يستطيع أن يزحف على ركبتيه ويضحك وكأنه لاعب أكروبات في سرك، وينظر للجميع حتى يسمع ويرى أعجابهم، فهو مخلوق يحب التشجيع ثم يتعلم كيف يمشي وهذه فرحة أكبر ومرحلة أكبر يسعد بها الجميع من حوله، وهذا الطفل ليس لديه محصلة كلمات، ولم تكتمل بعد في مخه مواقع الكلام، ولكنه يصدر أصوات وهمهمات يتخيل أنه يتكلم بلغة يفهمها الجميع، والغريب أن أمه تفهمه جيدًا وتلبي طلباته حتى لو لم يطلبها، ثم يتشكل له ذوق خاص واختيارات خاصة، ويبدأ يكتشف نفسه وقدراته بالمقارنة بمن حوله، ثم في سن التاسعة وماقبلها بقليل يدرك الجنس المنتمي إليه، ويميل إلى الجنس المخالف له، ثم عندما تظهر على الولد والبنت مظاهر البلوغ، تبدأ مرحلة جديدة تتشكل، واهتمامات أخرى وسعادة لها طعم مختلف، ثم تبدأ مرحلة الانفصال التام، وانشغاله بالحياة، وبنفسه وبتحقيق رغباته ويتزوج وينجب وتبدأ الرحلة من جديدة، ثم يبدأ مع هذه الرحلة أن ينكمش "التيلوميرز" الموجود في طرف الكروموسومات، ويقل طوله معلنا على اقتراب بدء انتهاء الأجل، وتهاجمه الأمراض وينشغل باستعادة شبابه، ولكنه مع الأيام يتعود على تجاعيد وجه وشكله الجديد، ولكن الشيء العجيب في هذا المخلوق العجيب، أنه وبرغم بلوغه أرزل العمر حتى لو بلغ سن التسعين فمازال بداخله طفل صغير لم ولن يكبر، ويكتشف أننا نكبر ونهرم في أجسامنا، ولكن أرواحنا لاتشيخ تظل تأمل وتحب وتسعى ويشعر هذا العجوز أنه مازال طفلًا صغيرًا، ولكن أعراض المرض حالت بينه وبين ممارسة طفولته كطفل مصاب بشلل الأطفال، ستجده قليل الحركة وتظن أن طفل رزين ولكن شقاوته خنقها الشلل.... فرحلتنا في الحياة قصيرة جدا لاننا ببساطة لانبدأ نمارسها بجد، إلا بعد مايقرب من عشرين سنة من ولادتنا، نخوضها في صراع ثم باقي العمر يضيع في صراع أكبر .. وكل إنسان وهو على فراش الموت بعد رحلة كبيرة من العمر يسأل نفسه هذا السؤال لماذا أتينا.. فهل كل ماعلينا أن نولد لكي نموت ثم نولد ويعلموننا ونحن مازلنا لانعرف ماهي الحياة وماهو الموت، ولكنهم يلقوننونا ثقافة الموت وهي لابد أن تعمل خير لكي تدخل الجنة عندما تموت بالتأكيد... ولم نرى أحد يعلمنا كيف نحى بخير والخير يجلب سعادتنا ثم نموت ونحن سعداء  لانخاف من الله بل نحب لقائه....