السبت 20 أبريل 2024 مـ 05:35 مـ 11 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

خطة قديمة للفوز في معركة القمح

إذا كانت أمريكا تزرع نحو 45 مليون فدان بالقمح، تنتج منها نحو 60 مليون طن سنوياً، فكيف نتخيل أنها سوف تترك مصر دون تدبير الخطط لدفعها إلى الوراء فى معركة تأمين الاكتفاء الذاتى من مدخلات «رغيف الخبز»؟

قارب موسم زراعة القمح المصرى، أجود قمح فى العالم، على النهاية، فبحلول مطلع يناير تكون أعواد القمح تطاولت فوق سطح الأرض بنحو الشبر، باستثناء زراعات طفيفة جداً يلجأ إليها البعض لإنتاج التبن وليس حبوب القمح، وعلى الرغم من ذلك تتذرع الحكومة المصرية بمبررات واهية فى عدم إعلان السعر الضامن لتسلم القمح المصرى من المزارعين.

وزيرا الزراعة والتموين أكدا فى تصريحات أن تأخير الإعلان عن سعر القمح المصرى «يصب فى مصلحة المزارع»، لكن تفسير كل منهما لهذه الجملة جاء مختلفاً عن الآخر، حيث قال الأول كلاماً منطقياً يتعلق بالسعر العالمى المنخفض للأقماح الأجنبية خلال شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، كونها شهور حصاد القمح البارد فى روسيا، وأوكرانيا، وفرنسا، وغيرها من الدول.

لكن وزير التموين برّر تصريحه بما يعيب منظومة توريد القمح التى تشرف عليها «التموين» منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بدعوى فساد التعاونيات الزراعية، خاصة بعد وقوع أحداث فساد محققة جنى منها الفاسدون ملايين من الجنيهات على حساب المزارعين، كما وقعت أحداث تمرير قمح مستورد على أنه محلى، وبالسعر المصرى، لتربح مئات الملايين أيضاً.

وزير التموين، برر تأخير الإعلان عن سعر القمح لما قبل الحصاد بنحو 45 يوماً فقط، بتفويت الفرصة على التجار المستوردين لشراء أقماح أجنبية «رخيصة» لخلطها بأقماح محلية وتمريرها ضمن منظومة توريد قمح الفلاحين إلى هيئة السلع التموينية، عبر أماكن التجميع «الشون»، أو الصوامع مباشرة.

وزير الزراعة الدكتور عبدالمنعم البنا يرى ضرورة أن تدرس الجهات المسئولة فى الوزارة، سواء فى قطاع "الشئون الاقتصادية" أو معهد المحاصيل، تكاليف الإنتاج عبر عدة محاور، تشتمل على: إيجار الأرض، ميكنة تجهيز الأرض للزراعة، برنامج التسميد، تكاليف محروقات أو طاقة الرى، ميكنة الحصاد والتعبئة، والعمالة، وغيرها، حتى يكون السعر عادلاً محققاً ربحية للفلاح، ورحيماً بميزانية الدولة.

وكيلا لجنة الزراعة والرى والأمن الغذائى فى البرلمان صرحا بأن الغرف السرية تسرّب سعراً للقمح يبلغ 750 جنيهاً للأردب فى موسم 2018، بينما تؤكد حسابات الإنتاج فى شرق العوينات وأماكن صحراوية أخرى أن تحقيق الربحية من هذا السعر يتطلب إنتاجية تبلغ 28 أردباً للفدان، وهو ضرب من الخيال، كون المتوسط الطبيعى فى مصر لا يزيد على 18 أردباً.

وعوضاً عن المبررات التى تسوقها الحكومة دائماً، بضيق منظور المنظّرين فى الاقتصاد المصرى، خاصة الاقتصاد الزراعى، فإن الإصرار على تغليب الرأى الفوقى يتسبب فى مزيد من الإحجام عن زراعة القمح، ومعه البنجر المنافس الذى دخل دائرة «الاستراتيجية» أيضاً، كونه المصدر الأهم حالياً فى صناعة السكر، فى بلد يستورد أيضاً أكثر من 40% من احتياجاته من هذه السلعة.

تراجعت زراعة القمح والبنجر فى مصر لموسم 2017/2018، وذلك بسبب تأخير الحكومة إعلان سعر المحصولين، لأن المزارعين تلقوا العديد من الضربات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بعد الزيادات المطردة فى كل مدخلات الإنتاج، لتظل أسعار الحاصلات دون مستوى التعادل، على الأقل.

والسؤال الذى يطرح نفسه، بعد تصريح وزير التموين الأسبق خالد حنفى، بأن استهلاك المصريين من القمح يبلغ 20 مليون طن سنوياً: ما الذى يتوقعه الوزير الحالى فى حصيلة توريد القمح لموسم 2018، بعد تراجع المساحة بما يتراوح بين 20 و30% عن العام الماضى؟

إحصاءات العام الماضى تُظهر توريد 3.4 مليون طن فقط من أقماح مزارعى مصر، فى عام قيل إن المساحة المنزرعة بالقمح بلغت 3 ملايين فدان، بإنتاجية إجمالية بلغت نحو 11 مليون طن، حيث يخزن الفارق بين الإنتاج الفعلى والتوريد لـ«التموين» فى بيوت الفلاحين، إما للاستهلاك، أو للتقاوى، أو للجرش كأعلاف، فى ظل ارتفاع أسعار نخالة القمح عن سعر حبوب القمح كاملة.

ومع تثبيت نتائج العام الماضى لتكون نتيجة مأمولة لموسم 2018، فالنتيجة أن مصر سوف تستورد للعام المقبل 9 ملايين طن أقماح أجنبية منخفضة الجودة، قياساً بالأقماح المصرية الفاخرة.

هذا الرقم يشير إلى إنفاق مصر ما لا يقل عن 2 مليار دولار فقط لاستيراد الأقماح الأجنبية، بما يعادل نحو 36 مليار جنيه، يمثل حجم تجارة عملاقة لحفنة قليلة من المستوردين، لا يعمل فى منظومتهم أكثر من ألف موظف وعامل على الأكثر.

ومع تسليم الحكومة باعتماد الأفكار الواقعية، مع تصدير «الطناش» لحيل صندوق النقد الدولى، فإن استثمار هذا المبلغ ذاته (36 مليار جنيه)، ولو على ثلاثة أعوام، لتطوير منظومة إنتاج القمح، بدءاً بدعم طن القمح بنحو 2000 جنيه للطن، ثم باعتماد أبحاث زيادة الإنتاجية الرأسية، وتأسيس منظومة حضارية لتداول المحصول بعد الحصاد، من نقل وتخزين وطحن، يمكن أن يرفع المساحة المنزرعة فعلياً إلى أربعة ملايين فدان، شرط اعتماد برامج تسميد عضوية حديثة (متوافرة فى مصر) لرفع إنتاجية البرسيم تدريجياً إلى الضعف، لأن المساحة الزائدة لصالح القمح، سوف تكون على حساب البرسيم المهم جداً لتنمية الثروة الحيوانية، ومنتجات الألبان.

مبلغ الدعم المقترح بـ2000 جنيه لطن القمح سوف يستهلك من مبلغ الـ36 مليار جنيه نحو 28 مليار جنيه فى السنة الثالثة، فى حالة بلوغ الإنتاجية المحصولية حد الـ14 مليون طن، لتضيق الفجوة الاستيرادية إلى نحو 6 ملايين طن فقط، يمكن التخلص منها بإحكام منظومة الهدر فى الخبز المدعم، ورفع ثقافة المصريين بمخاطر الاستهلاك المرتفع من الدقيق الأبيض.

المصريون أعلى شعوب العالم استهلاكاً للقمح (180 كيلوجراماً للفرد سنوياً)، فيما يبلغ المتوسط العالمى 80 كيلو جراماً للفرد سنوياً، ما يجعل مصر فى مقدمة الدول المستهلكة للقمح، لتعادل استهلاك شعوب 27 دولة أوروبية.

مطلوب نزول وزيرى المالية والتموين، قليلاً إلى مستوى دراسة هذا المقترح، (الذى لا يعيد اختراع العجلة)، فقد تعالت به صيحات خبيرة ووطنية فى مجالات الزراعة والاقتصاد والسياسة، منذ أن مُنيت مصر بداء «استيراد مدخلات رغيف الخبز».