الجمعة 26 أبريل 2024 مـ 08:43 صـ 17 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

* المصريون وسورة مريم *

رغم قسوة بعض المصريين على الفتاة التى تحمل سفاحا ، ونزع فضيلة الشرف عنها ، والميل إلى تجريسها ، إلا أن غالبيتهم يتعاطفون معها ، ويحنون عليها ، ويلتمسون لها الأعذار ؛ فإن كانت عاشقة ، فعذرها أنها سلمت نفسها لعشيقها فى لحظة جنون ، وإن كانت مغتصبة فقد كتفها الشيطان ، وهد قواها ، شيطان الإنس أو شيطان الجن ، أو كلهما معا ! . وكانت أمى يرحمها الله ، حين تسمع عن حادثة مشابهة لفتاة ما ؛ فإنها تدعو لها بالستر ، وتطالب العارفين بالحنو عليها ، ثم تقول مقولة عجيبة ( * ولا حباية ، إلا مالطشها حجر الرحاية * ) ! . بل ان بعض المصريين قد يرفعون من شأنها إلى حد التقديس ، كما فعل عمنا " يوسف إدريس " فى روايته " الحرام " حيث جعل من الشجرة التى ماتت تحتها " عزيزة " مزارا مباركا للباحثات عن الانجاب ، فى الحلال ! .

ولأن الموروث الحضارى المصرى الوفير قد جعل من " إيزيس " الهة ، رغم حملها من " اوزوريس " زوجها الميت ، وانجاب " حورس " طفلها الذى حارب الشر وانتصر عليه ، فقد انعكس هذا الموروث على الموقف النفسى للمصريين من السيدة " مريم " التى يصرون على نعتها بالعذراء والبتول ! .

وقد خصص الله سبحانه سورة بديعة تحمل اسمها ، رغم ورود أنبياء كبار فى سياق السورة ؛ ابراهيم وموسى ونوح ، إلا أن الله الذى اصطفى مريم على نساء العالمين قد أفرد لها ست عشرة آية فى صلب السورة الكريمة ، يحكى فيهن معاناتها ، وصبرها واستسلامها لقدر الله فيها ، والذى أراد أن يجعل منها وابنها آية للعالمين على طول الزمان ، بل لقد خلا القرآن الكريم كله من سورة واحدة تحمل اسم سيدة ، أو حتى مجرد ذكر اسمها ، بما في ذلك أمهات المؤمنين ! .

لقد أحب المصريون مريم ، وصدقوها ، ومصمصوا شفاههم على حالها ، وتدفقت دموعهم على ألمها النفسى والجسدي ، وهى وحيدة حين تضع حملها المقدس ، وحيدة وهى تجابه غلاة اليهود غلاظ القلوب ، كما أحبوا السورة الجميلة تلاوة وترتيلا ، وما من مقرىء مصرى إلا وشدا بتلك الآيات المبهرات ، والتى شاء لها الله قافية شجية ، تناسب النفس الحزين ، والتى تنتهى بالياء الممدودة على قدر استطاعة صوت من يقرأها " شرقيا ، سويا ، تقيا ، بغيا " ! .

فسلام على الشعب الطيب الحنون رقيق القلب ، الذواقة العاشق لجمال القرآن الكريم ، وسلام على " مريم ابنة عمران " ، التى جعل الله من رحمها وعاء لكلمته المقدسة ، فى معجزة متفردة ، لم تتكرر ، منذ خلق الله آدم ، وإلى أن تقوم الساعة ! .