الثلاثاء 16 أبريل 2024 مـ 07:02 صـ 7 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

تأملات في اعتقال لولا داسيلفا

الدكتور أحمد إسماعيل أستاذ مساعد معهد بحوث الصحراء
الدكتور أحمد إسماعيل أستاذ مساعد معهد بحوث الصحراء

على مدار سنوات مضت والتجربة البرازيلية الإصلاحية التي قادها الرئيس داسيلفيا منذ توليه الحكم في ٢٠٠٢ وحتى ٢٠١١ ظلت موضع اهتمام الكثير من المعنيين بالتنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية واخضعوا تجربة داسيلفيا للدراسة ، ناقشناها في العديد من المؤتمرات العلمية حتي كانت نموذجا لا تخلو منه المحافل العلمية محليا ودوليا ، من نتائجها تغير وجه الحياة في البرازيل ، تحسنت الأحوال المعيشية والاقتصادية لقرابة الاربعين مليون مواطن كانوا من معدومي الدخل ، اهتم بالمشروعات الصغيرة وخاصة الزراعية منها ، قال في بداية حكمة في خطاب تنصيبه أنه إن استطاع أن يوفر لكل برازيلي ثلاث وجبات يومية كريمة يكون قد حقق أهم أهدافه ، مرت فترتين رئاسيتين وحقق داسيلفيا ما وعد ، عمل في صمت حتي ملأ بانجازاته مسامع العالم، و عندما وضع البرازيل في مصاف الاقتصاديات الكبرى عالميا استحق الكثير من الألقاب منها الرجل الأكثر تأثيرها في العالم واشهر رجل في البرازيل في العصر الحديث واشهر رجل في العالم ، تبني الكثير من البرامج الصلاحية حتي أن تجربة البرازيل في مكافحة الفقر تتصدر قائمة التجارب العالمية الاكثر فاعلية ...  تزعم التيار اليساري علي مدار عشرين سنه من خلال زعامته لحزب العمل الذي أسسه في مطلع الثمانينيات، وبعد وصوله للحكم أصبح اليساري الإصلاحي الاشهر في تاريخ البرازيل الحديث رغم إصابته بالسرطان الخبيث ، لم يقبل تعديل الدستور ليسمح له بالترشح لفترة ثالثة ، وسلم داسيلفيا السلطة غير عابئ بهتافات ودموع الملايين من مؤيديه الذين يطالبونه بالبقاء رئيسا.

ولكن للسياسة رأي آخر ... وصراع الليبرالية والراديكالية والإصلاحية واليسار بأقطابه حال دون استمرار داسيلفيا رمزا بعيدا عن الشبهات.

تم اتهامه بالفساد وتلقي رشاوي واستغلال نفوذ ، ومؤخرا وفي أبريل من هذا العام حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهم الفساد ... وبعد قرابة الثلاثة أشهر قضاها في السجن قضت محكمة الاستئناف ببراءته ،وما بين تأييد الحكم أو بطلانه يعيش داسيلفيا علي امل الخروج من المأزق معلنا عزمه عن خوض الانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة معلنا رفضه لما أسماه عودة النازية الجديدة في بلاده.

- وتكثر التساؤلات في الأذهان . ألم يشفع للسياسي ما حققه من إصلاح لينجو به من مأزق مصطنع أو حقيقي؟

هل قارن البرازيليون بين بلادهم ماقبل لولا وبعده؟ هل الذي يخشي السجن بعد تخليه الحكم من الممكن أن يتخلي عنه طواعية كما فعل داسيلفيا ؟ هل القضاء البرازيلي مسيسا ام داسيلفيا كان فاسدا بالفعل؟!

الغريب ان ما حدث في البرازيل تكرر في بعض دول أمريكا اللاتينية في السنوات الست الأخيرة، ووفقا للمؤشرات الدولية حققت هذه البلدان تراجعا اقتصاديا مثل البرازيل بعد داسيلفيا حيث تعاني الان تراجعا في الكثير من جوانب الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حسب ما ينشر عنها ....

اذا كانت نتائج فترة حكم داسيلفيا هي الفيصل فرغم السجن سيظل أحد رموز الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي .... ويحسب للبرازيل تفعيلها للقانون ان كان داسلفيا قد ارتكب بالفعل خطيئة الفساد . ..

والواقعة في مجملها تبعث بالعديد من الرسائل والدلائل من أهمها أن الفساد سيظل التهمة المشينة في نظر العالم المحترم، وربما يكون هذا هو الأمر الذي جعل الكثيرين من مؤيديه - رغم كل انجازاته الأسطورية - أن يرضخوا لرأي القضاء .....

* وربما تقودنا هذه الدلالات الي بعض ما يتعلق بما يسمي مكافحة الفساد علي الصعيدين المحلي والعالمي، برغم توقيع معظم دول العالم علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ، ورغم امتلاك العديد من الدول لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد ،،،، ورغم أن بعض الجهات الرقابية في بعض البلدان تبدي جدية في تعقب المفسدين، إلا أنه مازال  هناك عقبة كبرى تحول دون تفعيل افضل لهذه الجهود ، هذه العقبة هي الجهاز الإدارى المترهل، حيث تكمن الألاعيب والشللية وترتيب الملفات ، ورغم كل هذا فالحكومات الجادة والأجهزة الرقابية الوطنية تواصل جهودها  وتتخطي العقبات وتطيح برؤوس ظنت كثيرا أنه لا رقيب ولا عقاب.

ويبقي السؤال للفاسدين في كل المواقع وإلي الذين يديرون مواقعهم بأيد مرتعشة : رغم انكم لستم مثل داسيلفيا ولن تبلغوا شراك نعله في انجازاته ، لكن لا تستبعدوا أن يكون مصيركم اقسي وأشد، إن لم تدركوا الفرق بين الأمس والغد.