الري الخاطئ يدفع المحاصيل نحو الإجهاد المائي

حذّر الدكتور محمد عبدربه، مديرالمعمل المركزي للمناخ الزراعي، من تنامي ظاهرة الإجهاد المائي في المحاصيل الزراعية، مؤكدًا أنها ليست دائمًا نتيجة قلة المياه كما يعتقد الكثيرون، بل غالبًا ما تعود إلى سوء إدارة الري، ما يعرّض النباتات لأضرار فسيولوجية خطيرة تُهدد المحصول في الكم والجودة.
وأشار عبدربه إلى أن الإجهاد المائي يحدث عندما لا تتناسب كميات مياه الري المُضافة مع معدل البخر والنتح الفعلي للنبات، أو حين يتم توفير المياه بطرق غير مدروسة لا تراعي طبيعة التربة ولا عمق جذور النبات، ما يؤدي إلى مشكلات إنتاجية قد لا تكون مرئية للمزارع في بدايتها، لكنها تُكلفه الكثير لاحقًا.
ما هو الإجهاد المائي؟ ولماذا يحدث رغم توافر المياه؟
وفقًا للدكتور عبدربه، فإن الإجهاد المائي لا يرتبط فقط بندرة المياه، بل يظهر أيضًا حين تتم إضافة كميات كبيرة من المياه دفعة واحدة، دون مراعاة الخصائص الفيزيائية للتربة، وعلى رأسها قدرتها على الاحتفاظ بالمياه في منطقة الجذور، فيما يُعرف بـ"الماء الميسّر".
وأضاف أن هذه المياه الزائدة غالبًا ما تنفذ إلى أعماق التربة تتجاوز منطقة انتشار الجذور الفعالة، ما يُفقد النبات فائدتها ويُعد هدرًا مزدوجًا، سواء في المياه أو السولار المستخدم في تشغيل ماكينات الري.
كيف يؤثر الإجهاد المائي على النبات؟
أوضح عبدربه أن النبات يتفاعل مع الإجهاد المائي عبر إغلاق الثغور الورقية، وهي عملية فسيولوجية تهدف لتقليل فقد الماء، لكنها تُؤدي إلى توقف عملية التمثيل الضوئي، بسبب عدم دخول ثاني أكسيد الكربون اللازم لعملية البناء الضوئي.
ويُشير إلى أن هذه الحالة، التي قد تستمر من ساعة إلى عدة ساعات يوميًا، تُسبب انخفاضًا كبيرًا في جودة وكمية الإنتاج. كما يمكن أن يُسبب الإجهاد المائي:
ذبولًا مؤقتًا للأوراق
تساقط الأزهار
فشل عقد الثمار
تشققات وتشوهات بالثمار بعد الري المفاجئ عقب فترة جفاف
النباتات الكشّافة: مؤشر غير دقيق للإجهاد
يلجأ بعض المزارعين إلى زراعة نباتات كشّافة مثل الذرة أو عباد الشمس، لاختبار مدى توفّر المياه، إلا أن الدكتور عبدربه نبّه إلى خطورة الاعتماد الكامل على هذه الطريقة، إذ إن جذور النباتات الكشافة قد تكون أعمق من جذور المحصول الأساسي، ما يعطي قراءات مضللة لا تعكس الواقع بدقة.
توصية هامة: كيف تعرف عمق الجذور وفعالية الري؟
قدم الدكتور عبدربه نصيحة عملية للمزارعين لتقييم كفاءة الري يدويًا، قائلاً:
"من أبسط الطرق التي تساعد المزارع في معرفة مدى وصول المياه إلى منطقة الجذور، هي استخدام الفأس لعمل قطاع طولي في التربة بعد الري، حيث يمكنه رؤية مدى تبلل التربة وعمق انتشار الرطوبة".
وأوضح أن هذه الطريقة تُسهم في تعديل سلوك الري بحيث يروي المزارع منطقة الجذور فقط، دون هدر المياه إلى أعماق غير مفيدة للنبات.
كل نقطة مياه تتجاوز عمق الجذور الفعالة، تُعد خسارة مباشرة في المياه والطاقة، وتُعرّض النباتات لمزيد من الإجهاد وخسائر في العائد.
الري الذكي يبدأ من التربة... لا من الخزان
وشدّد عبدربه على أن إدارة الري تبدأ من فهم خصائص التربة والمحصول معًا، وليس فقط من حساب كميات المياه. فالماء قد يكون متوفرًا، ولكن إن لم يُدار بكفاءة، يتحول إلى عامل إضرار بدلاً من نفع.
واختتم بالقول إن مواجهة الإجهاد المائي ليست مسؤولية الري وحده، بل مسؤولية مشتركة تشمل الإرشاد الزراعي، والتخطيط المحصولي، وتوعية المزارعين، لافتاً إلى أن تحسين إدارة الري يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي، دون الحاجة لزيادة الموارد المائية.