مصر تقتحم صناعة مبيدات الآفات وتخطو نحو توطين أحد أخطر المدخلات الزراعية

تتحرك مصر بخطى مدروسة نحو تحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030، وفي مقدمتها تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، خاصة في القطاعات الاستراتيجية ذات الصلة المباشرة بالأمن الغذائي والاقتصاد القومي، وعلى رأسها القطاع الزراعي.
وتُعد مصر من الدول الزراعية الكبرى، إذ تُصدّر سنويًا ما يزيد على 8 ملايين طن من الخضر والفاكهة إلى الأسواق العالمية، وهو ما يفرض ضرورة توفير مدخلات إنتاج عالية الجودة ومتوافقة مع المعايير الدولية، وفي مقدمتها مبيدات الآفات الزراعية، التي ظلت لعقود طويلة صناعة محتكرة من قِبل عدد محدود من الدول، أبرزها الصين والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
في هذا السياق، التقى علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي وفدًا صينيًا رفيع المستوى لبحث المستجدات النهائية الخاصة بإنشاء مصنع متطور لإنتاج مبيدات الآفات الزراعية في مصر، في إطار شراكة استراتيجية تستهدف توطين هذه الصناعة الحيوية ونقل التكنولوجيا المتقدمة إلى السوق المصرية.
ويأتي هذا المشروع في ظل فاتورة استيرادية مرتفعة تتحملها الدولة سنويًا لتوفير المبيدات الزراعية، وهو ما يمثل ضغطًا على موارد النقد الأجنبي، فضلًا عن التحديات المرتبطة بتوافر بعض المنتجات في توقيتات الذروة الزراعية.
ومن المقرر أن تتولى تنفيذ المشروع شركة CAC Nantong الصينية، إحدى كبرى الشركات العالمية العاملة في مجال مبيدات الآفات، باستثمارات مبدئية تُقدَّر بنحو 150 مليون دولار، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 80 ألف طن سنويًا.
ومن المنتظر أن تُلبّي هذه الطاقة الإنتاجية الاحتياجات المحلية للسوق المصرية، مع تصدير الفائض إلى عدد من الأسواق الخارجية، تشمل الدول الأوروبية والأفريقية ودول الشرق الأوسط، بما يُحوّل مصر من دولة مستوردة إلى دولة مُصنّعة ومُصدّرة في أحد أكثر القطاعات حساسية وتعقيدًا.
ولا يقتصر المشروع على إنشاء مصنع فقط، بل يمتد ليشمل نقل التكنولوجيا الصينية المتقدمة في مجال تصنيع المبيدات، إلى جانب تدريب كوادر مصرية متخصصة على أحدث النظم الفنية والإدارية المعمول بها عالميًا.
ووفقًا للاتفاق، ستتولى الإدارة الصينية تشغيل المصنع خلال السنوات الأولى، على أن تنتقل الإدارة بالكامل إلى الجانب المصري بعد ثلاث سنوات، بما يضمن تكوين خبرات وطنية قادرة على إدارة هذا القطاع الحيوي، وتطبيق نظم رقابة صارمة على مراحل الإنتاج المختلفة.
ويُعد الالتزام بالمواصفات البيئية والصحية العالمية أحد المحاور الرئيسية للمشروع، خاصة في ظل تشدد الأسواق الدولية في ما يتعلق بسلامة المبيدات المستخدمة في الإنتاج الزراعي، وهو ما يعزز من تنافسية الصادرات المصرية ويحد من المخاطر المرتبطة برفض الشحنات التصديرية.
يمثل هذا المشروع نقلة نوعية في مسار التنمية الزراعية والصناعية في مصر، إذ لا يقتصر أثره على تقليل فاتورة الاستيراد فحسب، بل يمتد ليشمل دعم الأمن الغذائي، ورفع القيمة المضافة للقطاع الزراعي، وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي لصناعة وتصدير مدخلات الإنتاج الزراعي.
وبذلك، تضع مصر قدمًا ثابتة على خريطة الدول المنتجة لمبيدات الآفات الزراعية، وتؤكد توجهها الجاد نحو بناء قاعدة صناعية قوية قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، في أحد أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيرًا في مستقبل التنمية المستدامة.

