الأرض
موقع الأرض

أزمة صامتة تهدد إنتاجية محصول القمح

محمد أبو عمرة
-

يشهد القطاع الزراعي هذا العام تساؤلات واسعة بين الفلاحين والمُزارعين حول اختفاء أو نقص تقاوي القمح المحسّنة التي اعتادوا الاعتماد عليها خلال المواسم الماضية. فبعدما حقق العديد من المزارعين إنتاجيات قياسية تجاوزت 20 أردبًا للفدان باستخدام التقاوي المعتمدة من وزارة الزراعة – خاصة خلال السنوات الخمس الماضية – يجد الفلاح نفسه هذا الموسم مضطرًا للزراعة بـ تقاوي كسر لا تتجاوز إنتاجيتها في أفضل الأحوال 15 أردبًا للفدان، مما ينعكس مباشرة على الإنتاجية العامة لأهم محصول إستراتيجي في البلاد.

برنامج دعم إنتاج التقاوي.. بداية قوية ثم تعثر مفاجئ

تشير المعلومات المتداولة بين مطلعين داخل المنظومة الزراعية إلى أن برنامج دعم التقاوي، الذي أطلق عام 2021 بهدف رفع نسبة إنتاج التقاوي المحلية وتقليل الاعتماد على السوق غير الرسمي، كان يسير بخطى ثابتة. فقد نجح البرنامج خلال السنوات الماضية في إنتاج ما يغطي 60% من احتياجات المزارعين من تقاوي القمح المحسّنة، وهو ما انعكس على زيادة الإنتاج وسد جزء كبير من الفجوة الغذائية.

لكن هذا العام يبدو أن البرنامج واجه أزمة غير مسبوقة. فبحسب مصادر مطلعة، فإن ما جرى توفيره من دعم وإنتاج للتقاوي لم يتجاوز كمية تكفي لزراعة مليون ونصف فدان فقط، مقابل خطة الدولة التي تستهدف زراعة 3 ملايين فدان بالقمح خلال موسم 2025/2026. أي أن التقاوي الرسمية المتاحة لا تغطي سوى 50% فقط من المساحة المستهدفة.

الفلاح بين مطرقة السوق ومحدودية الخيارات

غياب التقاوي المحسّنة دفع آلاف الفلاحين هذا العام للتوجه إلى الزراعة ب “تقاوي كسر”، وهي تقاوي منخفضة الانتاجية. وبالتالي، فإن الفلاح الذي كان يطمح لإنتاج عالي الجودة يجد نفسه مضطرًا لقبول إنتاجية أقل بنسبة قد تصل إلى 25% مقارنة بالمواسم السابقة.

كما تسبب نقص التقاوي في ارتفاع أسعارها في السوق، مما زاد من تكلفة الزراعة، في وقت يعاني فيه الفلاح من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الأخرى كالأسمدة والديزل، وبلغ سعر الشيكارة 30 كيلو سعر 1300 جنيها.

تأثير مباشر على الأمن الغذائي

انخفاض إنتاجية الفدان بمعدل 5 أردب أو أكثر قد يبدو أمرًا محدودًا على مستوى المزارع الفردي، لكنه على مستوى الدولة يمثل خسارة بعشرات ملايين الأردب، ما قد ينعكس على حجم الاستيراد خلال العام المقبل، ويزيد الضغط على العملة الصعبة.

لماذا حدث هذا النقص؟

رغم عدم صدور بيانات رسمية حتى الآن توضح أسباب الأزمة، إلا أن مصادر داخل وزارة الزراعة تشير إلى عدة عوامل محتملة:

تراجع مخصصات الدعم الموجه للإدارة المركزية لإنتاج التقاوي المنتجة للتقاوي المعتمدة.

ماذا ينتظر الموسم القادم؟

التحدي الأكبر الآن هو كيفية معالجة الفجوة قبل موسم 2026، خاصة في ظل التوسع الحكومي في زراعة القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي. المطلوب ليس فقط حل الأزمة الحالية، بل وضع خطة عاجلة لإعادة دعم منظومة التقاوي وزيادة قدراتها الإنتاجية، مع ضمان وصول التقاوي المعتمدة للمزارع بأسعار مناسبة.

فالأزمة الحالية ليست مجرد مشكلة تقنية في توزيع التقاوي، بل قضية أمن غذائي تحتاج إلى تدخل سريع وإرادة واضحة لإعادة الأمور إلى نصابها.

----------------------

* كاتب صحفي
للتواصل: [email protected]