الأرض
موقع الأرض

جهل مبيداتٍ يهدد صحة الناس: منظومة تحتاج صحوة وطنية”

وزير الزراعة الأسبق د/ صلاح يوسف 
بقلم: د. صلاح يوسف* -

تتعرض الصحة العامة لتهديد حقيقي عندما يلتقي الجهل مع تداول المبيدات بدون رقابة فعالة. كثيرون يعرفون المزارع الخبير في الزراعة، لكن مستشاره في مكافحة الآفات هو صاحب محل مبيدات، الذي يزوِّده بخلطات جاهزة — والمزارع لا يُدرك بالضبط مكونات هذه الخلطات أو مبادئ استخدامها الصحيحة. فرضية أن من يبيع المبيد هو الأقدر على توصيته للمزارع هي فكرة خطيرة حينما تُمارَس بلا رقابة ولا وعي.

ندخل يومياً إلى أسواقٍ تُباع فيها مبيدات في براميل وعبوات غير موثقة، وتُعاد تعبئتها أو تُكتب عليها بيانات لا نعرف مدى صدقها. النتيجة ليست مجرد أرقام على أوراق تقارير؛ بل هي مستشفيات مليئة بمرضى يعانون أمراضاً قد تكون مرتبطة بالتعرض لمواد سامة، وإضعافٍ لصحة المجتمع، وتراجعٍ في جودة الغذاء، وخسائر اقتصادية للمزارعين أنفسهم.

نحن ننشئ القوانين ونعدّ الأنظمة ونقدّم تقارير عالمية المستوى، لكن التطبيق العملي على الأرض يظل ناقصاً. الإرشاد الزراعي لا يصل بفعالية إلى المزارع البسيط، وأسواق الخضار والفواكه غالباً خارج نطاق رقابة دقيقة، ونجد فجوة بين من يضعون السياسات ومن يعيشون العمل الميداني. هذا التنافر يولّد «عوالم متوازية»: مكاتب تضع خططاً، وأراضٍ تُدار بأساليب قد تودي بالناس إلى خطر صحي.

كشخص عمل في الجهاز الإداري والبحثي والتعليمي، أؤكد أن المشكلة ليست في نوايا قليلة، بل في منظومة تحتاج تصحيحاً عملياً: ضبط تداول المبيدات، تشديد شروط فتح محلات البيع وتراخيصها، فرض رقابة على إعادة التعبئة والبيع في عبوات غير معتمدة، نشر إرشاد ميداني عملي مستمر، وتعويض ودعم المزارع الذي يتبع الإرشاد حتى لا يختار الحلول الخطرة بدافع الربح الفوري.

ما نحتاجه اليوم هو صحوة وطنية: حملات توعية شعبية على الأرض، تكثيف الإرشاد الزراعي بالمحافظات والقرى، التعاون بين وزارات الصحة والزراعة والبيئة، وتشديد العقوبات على المخالفين. الوقاية أفضل من العلاج — وحماية صحة الناس يجب أن تكون أولوية فوق أي اعتبار تجاري أو ربح مؤقت.

*وزير الزراعة الأسبق