تقنيات النانو في المركبات النباتية نحو تعزيز الأستخلاص و الأمتصاص والاستهداف الحيوي للمركبات الطبيعية

شهدت العلوم الحديثة تطورًا مذهلاً بفضل التكامل المتزايد بين مختلف التخصصات، ويعد التفاعل بين تقنيات النانو والطب النباتي مثالًا بارزًا على هذا التوجه متعدد التخصصات ، فقد أتاح توظيف هذه التكنولوجيا الدقيقة التي تعنى بمعالجة المواد على مقياس الذرات والجزيئات (1 إلى 100 نانومتر)، آفاقًا واسعة في تطوير طرق أستخلاص المركبات الفعالة من النباتات. إذ ساهم هذا التقدم في تحسين كفاءة عملية الإستخلاص وتعزيز النشاط البيولوجي للمكونات النباتية النشطة. كما تعد تكنولوجيا النانو جسراً بين الطبيعة والعلم المتقدم، ما يمنح الباحثين قدرة غير مسبوقة على التحكم في الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمركبات المستخلصة. ويعتبر الدمج بين الموارد النباتية والتقنيات النانوية لا يمثل مجرد تطور تكنولوجي، بل تحولًا جذريًا في كيفية تعاملنا مع العلاجات الطبيعية، ليصبح الدواء الذكي من الطبيعة حقيقة علمية ملموسة.
أهمية النباتات كمصدر للمركبات الدوائية:
تحتوي النباتات الطبية على العديد من المركبات الكيميائية النشطة بيولوجيًا مثل: الفلافونويدات،القلويدات ،التربينويدات،الزيوت الطيارة. تستخدم هذه المركبات لعلاج الالتهابات، السرطان، أمراض القلب، وغيرها. لكن استخراج هذه المركبات بكفاءة عالية وبأقل فقد ممكن ظل تحديًا طويل الأمد... وهنا تتدخل تكنولوجيا النانو.
دور تكنولوجيا النانو في استخلاص المركبات النباتية:
1- زيادة كفاءة عملية الاستخلاص ويتم ذلك بأستخدام الجسيمات النانوية (مثل أوكسيد الحديد، الذهب، السيليكا)، مما يجعلها تزود من كفاءة الاستخلاص بطرق مثل:
• الاستخلاص المغناطيسي حيث تربط الجسيمات النانوية بالمركبات النباتية ثم تفصل مغناطيسيًا.
• الاستخلاص النانوي بمذيبات ذكية مما يساهم في استخدام مذيبات نانوية مصممة لاستهداف مركبات معينة دون التأثير على مكوناتها الأخرى.
2- الحفاظ على الاستقرار الكيميائي حيث أن بعض المركبات النباتية تكون حساسة للحرارة أو الأكسجين وبالتالي يمكن تغليفها بتقنيات النانو (مثل الكبسلة النانوية) بهدف حمايتها من التحلل أثناء الاستخلاص أو التخزين.
3- تقليل استخدام المذيبات الكيميائية وذلك لأن الطرق التقليدية تستهلك كميات كبيرة من مذيبات عضوية ملوثة وخطيرة، لكن باستخدام تقنيات النانو، تستطيع تقليل الحاجة للمذيبات أو استبدالها بمذيبات خضراء أو مائية.
تطبيقات نانوية بعد الاستخلاص
بعد استخلاص المركبات النباتية، يمكن لتكنولوجيا النانو أن تلعب دورًا أخر:
• نقل موجه وبالتالي تحميل المركبات النباتية على جسيمات نانوية وتوجيهها مباشرة إلى الخلايا المصابة (مثل الخلايا السرطانية) ، ما يزيد من الفعالية ويقلل الآثار الجانبية.
• زيادة التوافر البيولوجي حيث أن هناك بعض المركبات النباتية (مثل الكركمين) لها امتصاص ضعيف داخل الجسم ، ولكن يأتي دور الكبسلة النانوية في تحسين امتصاصها واستقرارها داخل الجسم.
• تحكم في الإطلاق والتي تتيح النانوتكنولوجيا إطلاق المركبات النباتية بشكل بطيء ومستمر داخل الجسم، مما يطيل مدة التأثير الدوائي.
أمثلة تطبيقية علي النانوتكنولوجيا
تستخدم تقنيات النانو الحديثة لتعزيز فعالية المركبات النشطة المستخلصة من بعض النباتات الطبية، حيث ساهمت هذه التقنيات في تحسين الامتصاص والاستهداف الحيوي لتلك المركبات داخل الجسم. فعلى سبيل المثال، يحتوي الكركم على مركب الكركمين، وقد ساعدت تقنيات النانو مثل النانوكبسلة باستخدام الليبوزومات أو النانوجيل في تحسين امتصاصه وفعاليته العلاجية. أما الشاي الأخضر، فيحتوي على مركب الـ EGCG (epigallo catechism gallate) وهو أحد مركبات الكاتينين ويعتبر مضاد أكسدة قوي، والذي تم تحميله على نواقل نانوية بوليميرية بهدف استهداف الخلايا السرطانية بشكل أكثر دقة. وبالمثل، يحتوي الزنجبيل على مادة الجينجيرول، وقد ساعد استخدام مستحلب النانو (Nanoemulsion) في تقليل عمليات الأكسدة وتحسين توزيع المركب داخل الجسم. وفي حالة الجينسنغ، فإن مركبات الجينسنوسيدات النشطة تم تحميلها على جسيمات نانوية معدنية، مما ساهم في زيادة ثباتها الحيوي وفعاليتها.
التحديات والآفاق المستقبلية
التحديات:
• ضمان سلامة الجسيمات النانوية داخل الجسم.
• تكلفة الإنتاج العالية حاليًا.
• تنظيمات وتشريعات صارمة تتعلق باستخدام النانو في الغذاء والدواء.
الفرص المستقبلية:
• تطوير مستخلصات نباتية نانوية جاهزة للاستخدام.
• إنشاء مصانع نانوية خضراء لاستخدامها في الطب الطبيعي.
• تعزيز الطب التكاملي الذي يمزج بين الطب الحديث والبدائل الطبيعية المحسنة بالنانو.
*باحث بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية - مركز البحوث الزراعية