موقع الأرض

قيمة مضافة أم تدمير جديد لصناعة الدواجن؟!

-

ـ 14% ضريبة "قيمة مضافة" على المستحضرات العلفية (إضافات الأعلاف)، تمثل ضربة جديدة من الحكومة المصرية، لقطاع صناعة الدواجن المصري، وهي ضربة كفيلة بتدمير إضافي لمنظومة إنتاج البروتين الشعبي ـ الأكثر طلبا، والأقل كلفة، والأهم في سلم الأمن الغذائي القومي.

ـ كانت مصر من أوائل الدول العربية والإفريقية التي قادت صناعة الدواجن إلى مستويات قياسية على المؤشر العالمي، حتى قبل 2006، وتحديدا قبل كارثة أنفلونزا الطيور، حتى شهدنا تصدير الدجاج اللاحم، وبيض المائدة، وكتكوت التسمين، إلى دول إفريقية، وعربية، وذلك لكون مصر كانت سباقة في دعم مستلزمات إنتاج هذه الصناعة.

ـ ومن عوامل النهوض بصناعة الدواجن في مصر، دعم معظم مدخلات إنتاجها، بإعفائها من الجمارك، والضرائب بشتى صورها، من منطلق قومي، كونها الصناعة المجتمعية التي تستوعب 70 % من عمالة المناطق الريفية، ما يجعلها لا تقل في استراتيجيتها عن إنتاج القمح الموجه لرغيف الخبز، كما تحمل عن كاهل الدولة مسؤولية توظيف أكثر من خمسة ملايين عامل، يعولون ما لا يقل عن 25 مليون فرد في المجتمع المصري.

ـ وحتى تضمن مصر نمو هذه الصناعة، ضمن مقومات الأمن القومي الغذائي لشعبها، ميزت الاستثمار في مجال إنتاج الدواجن بميزة الإعفاء الضريبي لمدة عشرة أعوام، كحافز تشجيعي للمستثمرين في كل حلقات الصناعة، (بياض، تفريخ، تسمين، مجازر، ومصانع أعلاف).

ـ وإذا كانت الحكومة المصرية تنظر بعين الضخامة إلى فاتوة واردات مصر من المستلزمات العلفية، أي إضافات الأعلاف، فتصب عليها جام "القيمة المضافة"، فقد يغيب عن متخذي هذا القرار أن هذه النسبة تمثل عبئا جديدا لا يتحمله المربي، أيا كان حجمه، لأن أسعار الدواجن محكومة بالقدرة الشرائية للمستهلكين، وليس بالقانون الطبيعي للعرض والطلب.

ـ وقد يخفى على متخذي قرار العبء الضريبي الجديد، أن القدرة الشرائية الضعيفة للمستهلكين، تسببت في بيع الدواجن في عنابرها، معظم شهور 2018 و2019، بأقل من كلفة إنتاجها، بنحو خمسة جنيهات لكل كيلو جرام، وفقا لتقرير واف أعده اتحاد منتجي الدواجن في مصر، وقدمه لمجلس الوزراء منذ نحو أسبوعين.

ـ مجلس الوزراء تجاوب ـ من باب حرصه الوطني أولا على السلم المجتمعي بين أبناء هذه الصناعة، وثانيا للحفاظ على كبار المربين والمستثمرين من إفلاسهم، وتدمير ماكيناتهم، التي يعمل عليها الآلاف من الأيدي العاملة البشرية المهمشة، فوجه وزير التموين وهيئة الخدمة الوطنية بشراء الدواجن المحلية من كبار المنتجين بسعر البورصة، إضافة إلى هامش ربح طفيف.

ـ قد يصغي صانع قرار العبء الضريبي الجديد، إلى عصبة مستوردي الدواجن، الذين يدعمون خططهم الجهنمية بادعاء أن مكونات الدجاجة المصرية معظمها مستورد (خامات علفية، وأدوية بيطرية)، وهنا يجب أن نلقي في باله أيضا أن النسبة المحلية من مكوِّن إنتاج الدواجن في مصر، أعظم قيمة مئات المرات من فاتورة المكوّن الأجنبي، كونها وعلى صغرها تتعلق بشَغل أكثر من خمسة ملايين وظيفة، لا تكلف الدولة مليما، بل تضخ إلى منظومة التأمينات الاجتماعية أكثر من 200 مليون جنيه شهريا.

ـ وحتى لا يتشدق أحد المشجعين لقرار القيمة المضافة على إضافات أعلاف الدواجن، بالمصلحة القومية، مبررا تشجيعه باحتياج الموازنة العامة للدولة إلى أوعية ضريبية جديدة، فيجب التنويه إلى أن دعم صناعة الدواجن في مصر لا يقل في أهميته القومية والأمنية، عن دعم رغيف الخبز، وأدوية الأمراض الشائعة.

ـ وإذا كان المتطلعون إلى تدمير هذه الصناعة، لا هدف لهم سوى الفوز بنعيم الاستيراد وعمولاته المجزية، فعلى صانع القرار أن يضع نصب عينيه أن حماية صناعة الدواجن في مصر، أعظم نفعا من القيمة المالية لوعاء "القيمة المضافة" المرجوة، كون هذه الصناعة أقوى سلاح وطني لمحاربة الفقر والجوع والمرض، فقط من باب توفير بروتين الدواجن وبيض المائدة.

ـ والحديث عن رفع الغلاء عن كاهل المستهلك المصري باستيراد الدواجن رخيصة السعر والقيمة، يدفع لاستذكار تجربة الاتحاد السوفيتي، حيث سبق أن جربت الدولة العظمى تصفية هذا القطاع، والاعتماد على الاستيراد، حتى أصبح أمنها الغذائي لعبة في أيدي كبار المنتجين في أمريكا، وأستراليا، والبرازيل، لينتفض الرئيس بوتين، رافعا لواء الصناعة مرة أخرى، ولتصبح روسيا من أكبر الدول المصدرة للدواجن حاليا.

ـ ووفقا لرؤى اقتصادية عاقلة، خاصة في مجال الاقتصاد الزراعي، فإن القدر الأعظم من مهمة الحكومة الراشدة، يتجسد في حفظ السلم المجتمعي بالتشغيل وتوفير الغذاء، والأخير له علاقة بالصحة العامة من خلال مكافحة الفقر والجوع والمرض، ولا منافس لصناعة الدواجن في تحقيق هذه الباقة مجتمعة لأي حكومة، تتطلع إلى تحقيق الرفاه والعيش الكريم لمواطني الدولة، كترجمة أمينة لشعار "تحيا مصر".