موقع الأرض

مسؤول لـ”الأرض”: حقن التربة مجدي اقتصاديًا بالنسبة للفلاح.. وتطبيقه يقلل الفاقد من الأسمدة والمياه

الدكتور على عبدالعزيز
شيماء عبدالرحمن -

 رئيس مشروع حقن التربة الرملية بحبيبات السلت الناعم والطين يوضح آخر مستجدات المشروع

عبدالعزيز: نتائج الأبحاث وراء إطلاق المشروع ..  وتنفيذه يتم بمراحل فى حدود أربع سنوات

عبدالعزيز: عملية الحقن ممكنة فى جميع درجات التربة الرملية .. ونعتزم زراعة المحاصيل الحقلية والأشجار

عبدالعزيز : التغيرات المناخية لن يكون لها تأثير على المشروع.. ونسعى لإطلاق تحالف عربى لتكنولوجيات الاستصلاح

مما لاشك فيه أن الأراضى الرملية تشغل حوالى 96% من مساحة مصر، وتتسم هذه الأراضى بضعف بناءها وضعف خواصها الطبيعية والكيميائية مما يتسبب في فقد كميات كبيرة من مياه الري والأسمدة المعدنية بالتسرب العميق، بعيدا عن منطقة انتشار الجذور للنبات وبالتالي لا يستطيع الاستفادة منها، مما ينعكس بالسلب على إنتاجية هذه الأراضي، لذا فإن إعدادها للزراعة يعد مكلفا، مقارنة بالزراعة في الأراضى الطينية مما يعيق عمليات الأستصلاح فى الأراضى الحديثة.

وسعيا لحل معوقات الزراعة فى الأراضى الرملية يجرى حاليا مركز بحوث الصحراء مشروعا يهدف لتحسين خواص التربة الرملية، ورفع إنتاجيتها وتوفير كميات كبيرة من مياه الرى والأسمدة.

ولرصد آخر مستجدات وتطورات هذا المشروع كان لموقع "جريدة الأرض" حوار مع الدكتور علي عبدالعزيز، رئيس مشروع "استخدام تقنية حقن التربة الرملية بحبيات السلت الناعم والطين المفصولة من المصدر لتحسين خواصها الطبيعية والكيميائية والمائية في مناطق الاستصلاح الحديثة"وإلى نص الحوار.

في البداية .. كيف جاءت فكرة المشروع ؟

إنتاجية الأراضي الرملية ضعيفة جدا مقارنة بإنتاجية الأراضي الطينية الموجودة بالدلتا، والسبب في ذلك ضعف الخواص الطبيعية والكيميائية للأراضى الرملية، فبنائها ضعيف أشبه بغرابيل واسعة المسام تتسبب في أهدار كميات كبيرة من مياه الرى والأسمدة المعدنية بالتسرب العميق بعيدا عن منطقة انتشار الجذور، وبالتالى تقل أنتاجية الفدان، ويعد إضافة الطين للتربة الرملية لتحسين خواصها من الأشياء المعروفة لدى الفلاحين قديما حيث كانوا يأخذوا من رواسب مياه نهر النيل ليستخدموها فى زيادة خصوبة أراضيهم إلا أن ذلك يعد مكلف جدًا، اذ أن الفدان الواحد يحتاج لكميات كبيرة جدا من الرواسب الطميية تتراوح مابين 100 – 150 طن لعمق 10سم فقط ، لذا تم أقتراح العديد من المشروعات حديثا مثل تكريك طمى بحيرة ناصر ونقله الى الظهير الصحراوى لزيادة خصوبة مناطق الأستصلاح الحديثة ولكن كان هناك معوق رئيسى متمثل فى تكاليف نقل الطمى وتحميله وفرشه وتقليبه فى التربة الرملية كما أن عملية التكريك لا تعادل خمس عملية النقل مما يجعل عملية تكريك ونقل الطمى من بحيرة ناصر الى مناطق الظهير الصحراوى غيرمجدية أقتصاديا ، علاوة على ذلك اكتشفنا أن بحيرة ناصر مقارنة بما وجدناه من مصادر أخرى للطين الجافة فى الصحارى المصرية تعد ضعيفة جدا، فكل طين لديه معادن معينة وقدرة معينة على الأحتفاظ بمياه الرى والأسمدة، والمعدن الذى وجد فى بحيرة ناصر قدرته ضعيفة فى إمساك المياه والأسمدة، وخلال السنوات الماضية أجرينا بحوث حيث اكتشفنا أن هناك خامات موجودة بكثرة فى الصحارى المصرية تقارب مليارات الأطنان، وبدأنا فى دراسة هذه الخامات وتجربتها فى حقن التربة الرملية لتحسين خواصها فى منطقتى شرق العوينات والصالحية، ووجدنا ان هذه الخامات لديها قدرة على تقليل نسبة الفاقد فى مياه الرى والأسمدة وحسنت من انتاجية الفدان، ومن هنا فكرنا فى الاستفادة من نتائج هذه البحوث فأعددنا دراسة بالمشروع وتم الموافقة عليه وتمويله وتنفيذه.

وإلى أى مدى ساهمت تقنية الحقن فى تخفيض نسبة الفاقد من المياه والأسمدة؟

أثناء أجرائنا للبحوث قمنا بزراعة ثلاث أنواع من الخضراوات وهى الطماطم والخيار والكوسة، ووجدنا أن الحقن ساهم فى تقليل الفاقد من المياه بنسبة 50% وتقليل الفاقد من الأسمدة بنسبة أكثر من 40%، ومن المتوقع أن نزيد هذه النسبة فى حالة المحاصيل الحقلية، كما أن الطين لا يتحلل ولا يهجر مناطق أضافته فى التربة وليس كالأسمدة العضوية تتحلل بنهاية الموسم وتحتاج لأضافتها فى الموسم الجديد بمعنى ان أستخدام تقنية حقن التربة الرملية بالطين تتم مرة واحدة فقط ولا يتطلب تكرارها كل موسم بعكس ما يحدث فى عملية التسميد العضوى .

وما آخر مستجدات المشروع؟

بدأنا فى تنفيذ المشروع منذ شهر يوليو 2018، ومدة تنفيذ المشروع 4 سنوات مقسمة إلى مرحلتين، المرحلة الأولى، ونحن فيها حاليا، وسنركز خلالها على حصر الأماكن التى سنعتمد عليها فى استخلاص خامات الطين المستخدمة فى عمليات الحقن، بحيث تخدم كل منطقة مركزية المناطق الأخرى المجاورة لها، بمعنى اذا حددنا منطقة معينة فى الفيوم فهذه المنطقة ستوفر الخامات للظهير الصحراوى والمناطق المتاخمة لها، واذا حددنا محاجر معينة فى سيناء فسوف تخدم هذه المحاجر مناطق محافظات شمال وجنوب سيناء، والغرض من هذا التحديد هو تخفيض تكاليف نقل الخامات المستخدمة فى عملية الحقن، ولو اكتفينا باستخلاص هذه الخامات من محافظة واحدة فقط فأن عملية نقلها للمحافظات الأخرى ستكون مكلفة ولن تكون مجدية اقتصاديا، لذلك نعمل حاليا على تحديد المناطق التى سنعتمد عليها فى توفير هذه الخامات، أما بالنسبة للمرحلة الثانية فسيتم خلالها حقن 15 فدان تابعة لمحطتنا البحثية فى منطقة بالوظة بسيناء، وسيتم زراعة أنواع مختلفة من الخضر بالإضافة لزراعة المحاصيل الحقلية والزيتية والأشجار، وخلال هذه المرحلة سيتم قياس وتحديد نسبة كميات المياه والأسمدة المضافة التى سيتم توفيرها عند زراعة كل محصول من هذه المحاصيل، وكذلك سيتم تحديد تكلفة الخامات التى ستستخدم فى عملية الحقن وهذه الخامات ممثلة فى (السلت والطين)، اى أننا سنسعى فى هذه المرحلة للإجابة على الاسئلة الاقتصادية المتمثلة فى (ما الكميات التى سنوفرها من المياه والأسمدة، وبأى سعر سيتم بيع الخامات المستخدمة فى عملية الحقن).

من واقع الأبحاث والتجارب التى قمتوا بها على محاصيل الطماطم والخيار والكوسة هل عملية الحقن ستكون مجدية اقتصاديا بالنسبة للفلاح؟

بالطبع سيكون الحقن مجدى اقتصاديا وسيوفر الكثير للفلاح، فالفدان يحتاج حوالى من 20 إلى 30 طن طين وسلت، وهذا يتكلف فى حدود من 10 إلى 15 آلاف جنيه/ فدان فقط ، فى حين أن الفلاح يدفع أكثر من ذلك عندما يرغب فى تحسين خواص التربة بواسطة التسميد العضوى ، بمعنى أنه بدون عملية الحقن فأن فدان التربة الرملية يحتاج لأكثر من 100 طن طمى/ فدان حتى يتحسن خواصه ويكون صالح للزراعة، وهذه العملية مكلفة وغير مجدية اقتصاديا، لذلك يتجه المزارع للتسميد العضوى لتحسين خواص التربة وتحسين قدرتها على الاحتفاظ بالمياه والأسمدة، والفدان يحتاج لحوالى 25 طن سماد عضوى، ومشكلة السماد العضوى أنه ليس دائم فى التربة حيث انه يتحلل بمرور الوقت وهذا يعنى أن المزارع سيتجه لجلب كميات أخرى من السماد العضوى مع حلول كل موسم زراعى، أما فى حالة الحقن فأن الفدان سيحتاج من 20 إلى 30 طن طين وسلت ناعم، كما أن تقنية حقن التربة الرملية بالسلت والطين تساعد على تكوين تجمعات أرضية ثابتة تصبح مصدر خصوبة دائم فى التربة حيث أن الطين لا يتحلل ولا يهاجر مناطق أضافته وبالتالى يوفر أستخدام هذه التقنية كميات كبيرة من مياه الرى والأسمدة المعدنية المضافة وكذلك يقلل من أحتياجات الفدان من الأسمدة العضوبة التى تضاف بكميات كبيرة كل موسم زراعة وينعكس ذلك على زيادة أنتاجية الفدان مما يترتب عليه ترشيد النفقات للمزارع وبالتالى خفض تكلفة العملية الأنتاجية، وهى المسؤل الأول عن خفض أسعارالمنتجات الزراعية بالأسواق المصرية .

هل نعنى بذلك أن عملية الحقن ستكون بديلة للتسميد العضوى؟

لا .. لن تكون بديلة للتسميد العضوى بالطبع  ولكنها ستقلل من كميات الأسمدة المضافة فى العملية الزراعية سواء كانت عضوية أو معدنية ، فبدل ما يستخدم المزارع 25 طن سماد عضوى/فدان سيستخدم من 5 الى 10 طن فقط للفدان ، وبالمثل ستقل كميات الأسمدة المعدنية التى سيتخدمها فى الزراعة لأن الحقن سيقلل من فقد الأسمدة المعدنية مع مياه الرى المضافة بالتسرب العميق، وكل ذلك سيساهم فى زيادة انتاجية الفدان وكذلك ترشيد أستخدام مياه الرى وخاصة أن مصر وصلت لخط الفقر المائى.

وهل يجوز استخدام عملية الحقن فى جميع الأراضى الرملية؟

بالطبع يجوز ذلك، فالتجارب والابحاث التى اجريناها قبل بدء المشروع تمت فى اراضى رملية خشنة القوام وهى أسوء درجات التربة الرملية عديمة البناء ولا تحتوى على نسب من المادة العضوية، واثبتت التجارب أن الحقن اعطى نتائج جيدة فى زراعة هذه الأراضى ، مما يعنى أن حقن الدرجات الاخرى من التربة الرملية سيعطى أيضا نتائج جيدة.

هل من الممكن أن يكون للتغيرات المناخية تأثير على نتائج المشروع؟

لن يكون هناك أى تأثير لان المشروع متعلق بالتربة وليس بالمناخ، والتغيرات المناخية من الممكن أن توثر على المادة العضوية التى يضفها الفلاح فى التربة فقط، فكلما ارتفعت درجة الحرارة كلما تحللت المادة العضوية بشكل أسرع وتؤثر ايضا على سرعة التقاعلات وكذلك الكائنات الدقيقة بالتربة.

تمثل الأراضى الرملية أغلب مساحات مصر ومواردها الطبيعية محدودة خاصة فيما يتعلق بالمياه، فما الوضع بالنسبة لاستغلال السيول والأمطار ؟

الاستفادة من السيول والأمطار تتطلب امكانيات مادية عالية وشبكة صرف ومجمعات جيدة، وحاليا توجد جهود مبذولة للاستفادة من مياه السيول والأمطار بسيناء حيث يتم حاليا عمل مخرات للسيول، ولكى نستفيد من الأمطار والسيول يجب أن نقيم فى الشوارع صفيات بميول معين ونحاول الأستفادة مما يتم تجميعه من المياه فى رى المسطحات الخضراء وأراضى الجولف فى محافظة القاهرة أما المحافظات الزراعية فتستخدم بغرض الزراعة .

أفصحت عن رغبتك فى تكوين تحالف عربى يتبنى تكنولوجيا استصلاح الأراضى الصحراوية، فهل هناك خطوات ومساعى مرتقبة لإنشاؤه؟

نسير فى خطوات تأسيسه والهدف من التحالف تبادل الأفكار والخبرات العلمية وتكنولوجيات استصلاح الأراضى الصحراوية بين دول التحالف، حيث سيشمل التحالف خمس دول عربية وهى (مصر - الإمارات - السعودية - الكويت - البحرين)، وتقود مصر هذا التحالف من خلال مركز بحوث الصحراء وتحديدا مركز التمييز لتكنولوجيات استصلاح الأراضى الصحراوية والذى يعد أحد اهم مخرجات مشروع حقن التربة الرملية بالطين.

ولماذا اخترت هذه الدول بالتحديد؟

تم الاختيار على أساس التطور الزراعى وشراء أفضل التكنولوجيات الحديثة لأستصلاح الأراضى الصحراوية ، فهذه الدول تجلب أحدث التكنولوجيا المتعلقة بالزراعة من الدول الأوروبية وأمريكا، وتكوين التحالف معها سيشكل فائدة كبيرة للزراعة المصرية، وخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المنقولة من هذه الدول كما أن هذه الدول تتمتع الأراضى بها بالطبيعة الصحراوية مما يجع هذا التحالف أكثر فعالية فى تطبيق هذه التكنولوجيات.