موقع الأرض

حكايات الإثيوبيين في مصر وموقفهم المعارض لـ”سد النهضة”

-

8 آلاف لاجئ يهربون من بطش الحكومة الإثيوبية إلى تجاهل المفوضة السامية

"فرحية": بناء السد يسبب تهجير آلاف الأسر.. والحكومة تقمع المعارضة

"عبد القادر": نتعرض للتهديد الوحشي بسبب موقفنا المعارض لبناء السد

 

شعبان بلال

في شقة بمنطقة عرب المعادي تعيش "فرحية"، صاحبة الـ 35 عاما تحمل الجنسية الإثيوبية، وطفلتاها اللتان لم يتخطيا العقد الأول من عمرهما، دون عمل أو أقارب، بعد مقتل زوجها في مواجهات مع الحكومة الإثيوبية، قبل هربها إلى مصر عبر السودان، هي ومجموعة من الإثيوبيين.

تعيش فرحية وأسرتها على المعونات التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية، إضافة إلى مبلغ مالي يصلها شهرياً من أقاربها الذين يواجهون الموت في إثيوبيا، إلى جانب مساعدة بعض الأصدقاء المجاورين في عرب المعادي وأحمد مكي وحسنين الدسوقي، خاصة في ظل رفض مفوضية اللاجئين في مصر الاعتراف بهم.

"فرحية" واحدة من 8 آلاف إثيوبي في مصر، ينتمون لعدة قبائل إثيوبية "أورمو وأمهرة ويوراجا وصومالية"، تشردوا في بلاد مجاورة، منها كينيا والسودان ومصر، هرباً من بطش الحكومة الإثيوبية، التي تنتمي إلى القبيلة "التجريتية"، التي تمثل 3% فقط من حجم القبائل الإثيوبية، التي يبلغ عددها 20 قبيلة، تصل أعدادهم إلى 90 مليون إثيوبي.

"الأرض" التقت عدداً من الإثيوبيين اللاجئين في مصر، الذين يقطنون منطقة المعادي، خاصة في أحمد زكي وحسنين الدسوقي وعرب المعادي و6 أكتوبر، والذين أكدوا رفض الشعب الإثيوبي بالكامل بناء "سد النهضة"، الذي انتهت الحكومة من 50% منه، موضحين أنه يعود بالضرر على الشعب الإثيوبي نفسه، وأن هناك تهديدات وحشية مباشرة وغير مباشرة لهم من الحكومة الإثيوبية بسبب موقفهم المعارض للسد.

جمادا توسي، أحد اللاجئين الإثيوبيين في مصر، في العقد الخامس من عمره، يتحدث العربية بطلاقة، يقول لـ"الأرض"، إن عدد الإثيوبيين في مصر يبلغ 8 آلاف إثيوبي، منهم 5 آلاف من قبيلة الأورومو، و3 آلاف موزعون على قبائل أخرى، مثل أمهرة ويوراجا وصومالية، مشيراً إلى أن  الأورومو تمثل 65% من الشعب الإثيوبي، وتعرضت في الفترة الأخيرة إلى ضغوطات سياسية من قبل الحكومة الإثيوبية التي تنتمي إلى طائفة تمثل أقلية في إثيوبيا.

وأضاف "توسي"، أنهم يعانون أيضاً التهميش من قبل المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة في مصر، لرفضهم إنهاء إجراءات تحديد أوضاع اللاجئين الإثيوبيين بعد الاختبار الخاص بذلك، الذي أجراه اللاجئون منذ أكثر من عام، متهماً مسؤولين بالمفوضية بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية للقضاء على اللاجئين الإثيوبيين في مصر، خاصة مسؤولة بالمفوضية كانت تعمل في كينيا وذات أصول فرنسية، وتعمل لصالح الحكومة الإثيوبية، على حد قوله.

وأكد "توسي"، الذي يعمل مترجماً في الصليب الأحمر لإجادته اللغة العربية، أن هناك عائلات إثيوبية كاملة، العديد منهم لا عائل لهم، شُردوا من البلاد، نتيجة اعتقال أو مقتل أو سجن من قبل الحكومة الإثيوبية التي تقمع الثورة التي اشتعلت منذ 4 أشهر، من قبل 10 قبائل على رأسها الأورومو، والذين يعارضون بناء سد النهضة لتسببه في تهجيرهم.

حياة الإثيوبيين في مصر مختلفة بعض الشيء عن المصريين، وإن كان هناك تشابه كبير، فلهم أكلات خاصة، ولكن الشعائر الدينية نفسها، تقول اللاجئة الإثيوبية فايزة ساني، 22 عاما، إن الحكومة المصرية تعمل وفقاً للاتفاقية التي وقعتها مع الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين عام 1967، والذي تشير إلى أن أمر اللاجئين يخص المفوضية فقط وليس الدولة المصرية.

وأضافت "ساني"، هناك بعض الإثيوبيين أنشأوا محلات صغيرة في شوارع المعادي وبعذ المناطق المجاورة، تقدم أكلات خاصة بالإثيوبيين فقط، منها "الحلبة الإثيوبية"، التي تتكون من البطاطس واللحمة والمكرونة، بالإضافة إلى أكلات أخرى يتم إعدادها بصورة خاصة، مؤكدة مشاركة المصريين أيضاً في أكلاتهم.

وأشارت "ساني"، التي تقيم أيضاً في عرب المعادي، إلى أن ديانة الإثيوبيين في مصر تنقسم إلى مسلمين ومسيحيين، يمارسون طقوسهم الدينية في المساجد والكنائس بصورة طبيعية مع المصريين، مؤكدة أن هناك اهتماماً واضحاً من المصريين بتوفير حيز لهم لممارسة طقوسهم بسلامة وأمان، لدرجة أنه تم توفير مقابر للإثيوبيين في مصر.

هناك أزمتين يعاني منهما الإثيوبيون في مصر، من قبل الحكومة المصرية، وفقا لعبد القادر جومي أحد اللاجئين أيضاً، أولهما مشاكل التعليم، حيث لا يحق للإثيوبيين الالتحاق بالمدارس الحكومية المصرية، بالرغم من السماح للاجئين السوريين والسودانيين بالتعليم في المدارس، أما المشكلة الثانية فهي العلاج، والتي لا توفره الدولة للإثيوبيين اللاجئين في مصر.

وأضاف "عبد القادر"، أنه تعرض شخصياً للتهديد المباشر، الذي وصفه بـ"الوحشي" من أناس تابعين للحكومة الإثيوبية في مصر، طالبوه بالتوقف عن التحريض ضد "سد النهضة"، مؤكدين أن استمراره في المعارضة يعرض حياته للخطر، وهذا ما يحدث للعديد من المعارضين للمشروع الإثيوبي الكبير، حسب تعبيره.

عن مشروع "سد النهضة"، قال عدد من اللاجئين، إن الحكومة تستخدم المشروع دعاية لها خلال الانتخابات بتضليل الشعب الإثيوبي بأن المشروع سيخلصهم من الفقر والجوع والجفاف، مؤكين أن السد في الحقيقة تدمير لكيانات وطوائف عديدة تعيش على الأراضي الإثيوبية، ويعرضها للتهجير والقتل والاعتقال، حسب جمادا توسي.

وأكد اللاجئون أن منظمات حقوق الإنسان والغذاء العالمية كشفت أن هناك ما يقرب من 20 مليون إثيوبي يتعرضون للجوع والجفاف هذا العام، بسبب قياداتها التي تنفذ أجندة خارجية، وبالرغم من وجود أكثر من 20 نهراً في إثيوبيا إلا أن الحكومة لا تحسن استخدامها، وتصر على بناء سد النهضة، مشيرين إلى ضرورة إقامة سدود صغيرة وسط إثيوبيا على باقي الأنهار لكي ينعم الشعب بالحياة هناك، حسب قول "فرحية".

وأضافت فرحية، الغريب أن الحكومة الإثيوبية، بالتعاون مع شبكات البث التليفزيوني، نجحت في إلغاء قناتين تليفزيونيتين كانتا تعبران عن الثورة الإثيوبية التي يقودها الأورومو ضد الحكومة لرفض بناء سد النهضة ومعارضة مواقف الحكومة، موضحة أن هناك قنوات للجمال ولا يوجد قنوات لـ 65 مليون مواطن إثيوبي يطالبون بحقهم في الحياة.

وعلى عكس ما جرى نشره حول وقوف أمريكا وراء المخطط الإثيوبي، أكدت لاجئ إثيوبي آخر، طلب عدم ذكر اسمه، أن فرنسا هي من تتعاون مع إثيوبيا لإنشاء المدن الجديدة، ما يساهم في تهجير الإثيوبيين من منازلهم وقراهم، لافتاً إلى أن الشعب الإثيوبي أقام العزاء ثلاثة أيام بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل أكثر من40 عاما، ولكن مصر تجاهلت الشعب الإثيوبي بعدها، ليتسبب هذا التجاهل في إجبار الحكومة الإثيوبية لمصر على شراء منتجاتها من سد النهضة من الكهرباء والماء، مضيفا، "الشعب الإثيوبي كان يعتبر مصراً بلده الثاني ويتظاهر لحمايتها من أي خطر يهددها حتى ولو الخطر الحكومة الإثيوبية".

وعاد "جمادا" للحديث مجددا ليؤكد أن تعنت المفوضية معهم دفع بعض الإثيوبيين، والذين يصل عددهم إلى 30 إثيوبيا، إلى الهروب عبر البحر إلى إيطاليا، ولكنهم لقوا حتفهم غرقاً، خاصة في ظل عدم توافر أي أعمال يشغلونها في مصر ويعيش معظم على المعونات، وأيضا وسط تهديدات من شبكات تتبع الحكومة الإثيوبية لهم في المعادي بوقف أنشطتهم التي ترفض بناء "سد النهضة".