مزارعو القمح في العراق يلجأون إلى المياه الجوفية مع تراجع تاريخي لمنسوب الأنهار

يتحول مزارعو القمح في العراق بشكل متسارع من الري التقليدي المعتمد على مياه دجلة والفرات إلى الاعتماد على الآبار وأنظمة الرش، مع تسجيل مستويات غير مسبوقة من انخفاض منسوب الأنهار في مختلف المناطق الزراعية.
واقع مائي جديد في مناطق الإنتاج
يتخلى المزارعون في حزام القمح العراقي عن القنوات المفتوحة، ويستبدلونها بالآبار وأحواض التخزين والرشاشات الحديثة، في تحول فرضته ندرة المياه السطحية. ففي محافظة البصرة، باتت حقول القمح تروى بالكامل تقريبا من المياه الجوفية، بما في ذلك المياه ذات الملوحة المرتفعة، بعد أن كان الري النهري هو الأساس.
يؤكد مزارعون أن هذا التحول لم يعد خيارا بل ضرورة. ويقول علي فهد، مزارع قمح في البصرة، إن القمح يتحمل مستويات ملوحة تتراوح بين 1000 و1500، وقد تصل إلى 2000، دون تأثير كبير على المحصول، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن حفر الآبار وتشغيل المضخات وصيانة أنظمة الري.
تباين جغرافي في جدوى المياه الجوفية
تختلف الصورة من منطقة إلى أخرى. ففي محافظات وسط العراق، مثل النجف، يشكو المزارعون من عدم صلاحية المياه الجوفية للزراعة. ويوضح معان الفتلاوي، وهو مزارع قمح في المنطقة، أن المياه إما شديدة الملوحة أو غنية بالكبريت، ما يجعل استخدامها غير مجد اقتصاديا أو زراعيا. ونتيجة لذلك، تبقى مساحات واسعة من الأراضي غير مزروعة رغم جاهزيتها.
هذا التفاوت يفرض تحديات إضافية أمام خطط التوسع أو حتى الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية، ويزيد من هشاشة الأمن الغذائي في بعض المناطق.
سياسات حكومية وترشيد إلزامي
استجابة لهذه التطورات، شددت وزارة الزراعة الرقابة على زراعة القمح واستخدام المياه، وحددت المساحات المسموح بريها من مياه الأنهار، وفرضت أنظمة الري الحديثة ضمن خطة وطنية من مرحلتين. وتهدف هذه الإجراءات إلى تقليل استنزاف المياه السطحية وتشجيع تقنيات أكثر كفاءة، خاصة في المناطق الصحراوية وشبه القاحلة.
في المقابل، يحذر مزارعون وخبراء من أن الاعتماد المتزايد على المياه الجوفية يحمل مخاطر طويلة الأمد، أبرزها استنزاف الخزانات الجوفية وتفاقم ملوحة التربة، ما قد يقوض الحل المؤقت الذي لجأ إليه القطاع الزراعي.
آفاق القمح العراقي
يرى مختصون أن مستقبل زراعة القمح في العراق بات مرتبطا بإدارة متوازنة للمياه تجمع بين الري الحديث، وضبط استخدام المياه الجوفية، وتطوير سياسات دعم تخفف كلفة الإنتاج على المزارعين. ومع استمرار تراجع منسوب الأنهار وتزايد الضغوط المناخية، تبدو زراعة القمح أمام اختبار صعب يتطلب حلولا هيكلية لضمان الاستمرار والاستقرار.

