كيف يمنح القرار الروسي مصر فرصة لتقليل فاتورة القمح؟

تشهد زراعة القمح في مصر خلال الأيام الأخيرة نشاطًا مكثفًا مع بدء المحافظات في تنفيذ موسم الزراعة الجديد لأهم محصول استراتيجي تعتمد عليه البلاد سنويًا لتلبية الطلب المتزايد على الخبز والمنتجات الغذائية الأساسية.
وتوقعت وزارة الزراعة وصول المساحات المنزرعة هذا العام إلى نحو 3.5 مليون فدان، وهو رقم يعكس التوجه الحكومي نحو تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد خلال الفترة المقبلة.
زراعة القمح في مصر تحقق تحولًا استراتيجيًا
تشير البيانات الرسمية إلى تراجع لافت في واردات مصر من القمح خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 بنسبة تقارب 25%، إذ سجلت قيمة الواردات نحو 2.6 مليار دولار مقابل 3.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لتقارير هيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
هذا الانخفاض يعزز الثقة في السياسات الزراعية التي تبنّتها الدولة، والهادفة إلى زيادة الإنتاج المحلي من خلال التوسع الأفقي والرأسي في زراعة المحصول، إلى جانب استنباط أصناف عالية الإنتاجية تتحمل الظروف المناخية المتغيرة.
القرار الروسي… فرصة اقتصادية واستهلاكية لمصر
تزامن تراجع الواردات مع خطوة روسية مهمة أعلنت فيها موسكو أكبر مُصدّر للقمح عالميًا وأحد أهم المورّدين لمصر خفض رسوم تصدير القمح والذرة والشعير إلى الصفر اعتبارًا من 10 ديسمبر، نتيجة تراجع الأسعار العالمية للحبوب.
أوضح مصدر مسؤول بوزارة الزراعة أن هذا القرار ينعكس إيجابًا على مصر، إذ يؤدي إلى خفض أسعار القمح المستورد منها، وبالتالي تخفيف العبء المالي عن الدولة وتقليل فاتورة الاستيراد التي تكلّف مليارات الدولارات سنويًا.
كما يساهم هذا الانخفاض في إتاحة مرونة أكبر للدولة في إدارة ملف السلع الأساسية، سواء عبر دعم أسعارها أو الحد من ارتفاعها، مما ينعكس في النهاية على المستهلك ويخفف من الضغوط التضخمية.
فرص عالمية واستقرار في الأسواق المحلية
وأضاف المصدر أن القرار الروسي يعكس اتساع المعروض العالمي من الحبوب، وهو ما يمنح مصر فرصة للاستيراد بأسعار أقل ليس فقط من روسيا، بل من دول أخرى ضمن سياسة تنويع مصادر الاستيراد.
هذه التطورات، وفقًا للمصدر، من شأنها دعم استقرار أسعار السلع الغذائية محليًا، بل وفتح الباب أمام خفضها، وهو ما يحد من حدة التضخم الغذائي ويرفع قدرة السوق على مواجهة أي تقلبات عالمية.
مخزون استراتيجي يدعم الأمن الغذائي
ولا تقتصر فوائد القرار الروسي على خفض الأسعار فقط، بل تمتد لتمنح مصر فرصة ذهبية لتعزيز مخزونها الاستراتيجي من القمح بأسعار مناسبة، خاصة مع توقع استمرار تراجع الأسعار عالميًا.
هذا التحسن يتيح للدولة عقد اتفاقيات طويلة الأجل وفق شروط أفضل، مما يقلل من المخاطر المرتبطة باضطرابات الأسواق العالمية أو التغيرات المناخية التي قد تؤثر على الدول المصدرة للحبوب.
كما يدعم ذلك خطط تطوير منظومة التخزين وسلاسل الإمداد، ويعزز قدرة الدولة على إدارة احتياجاتها من القمح بثبات ومرونة أكبر، وهو عنصر أساسي لضمان الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
خلاصة المشهد
موسم زراعة القمح في مصر هذا العام لا يقتصر على كونه مجرد نشاط زراعي دوري، بل يأتي في لحظة تشهد فيها البلاد تحولات إيجابية في الإنتاج المحلي، وتراجعًا في الاستيراد، وتوافر فرص عالمية تمنح الدولة قدرة أكبر على تحقيق الاستقرار الغذائي بأسعار أقل.
وبين جهود التوسع الزراعي والقرارات الدولية الداعمة، تبدو مصر في موقع أكثر قوة لإحكام سيطرتها على ملف القمح، أحد أهم مفاتيح الأمن القومي الغذائي.

