كيف تساهم صناعة المبيدات المحلية في استقرار الزراعة؟

أكدت الدكتورة هالة أبو يوسف، رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة، أن توطين صناعة المبيدات في مصر لم يعد خيارًا اقتصاديًا أو ترفًا صناعيًا، بل أصبح ضرورة وطنية لحماية الأمن الغذائي وضمان استقرار الإنتاج الزراعي في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة.
وأوضحت أن فاتورة استيراد المبيدات تتجاوز 220 مليون دولار سنويًا تشمل المواد الفعالة والمستحضرات تامة الصنع، وهو ما يفرض على الدولة والمستثمرين التحرك نحو بناء صناعة وطنية قوية قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج.
الاعتماد على الاستيراد... تهديد استراتيجي للأمن الغذائي
وأشارت "أبو يوسف" إلى أن الاعتماد على الخارج بنسبة تفوق 65% في استيراد المواد الفعالة يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي، خاصة في ظل الأزمات الدولية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، اللتين أبرزتا هشاشة سلاسل التوريد العالمية وصعوبة الحصول على مدخلات الإنتاج الحيوية في الوقت المناسب.
ولفتت إلى أن امتلاك القدرة المحلية على إنتاج المبيدات أصبح أحد ركائز الاستقلال الزراعي لمصر، مشددة على أن استمرار الوضع الحالي يعرّض القطاع الزراعي لمخاطر تقلبات الأسعار ونقص المعروض العالمي.
القطاع الزراعي… قاعدة قوية تدعم الصناعة الوطنية
وأضافت رئيس لجنة المبيدات أن مصر تمتلك أكثر من 9.7 مليون فدان صالحة للزراعة، وتحقق صادرات زراعية تتجاوز 3.5 مليار دولار سنويًا، ما يعكس حجم هذا القطاع وأهميته الاقتصادية.
وأوضحت أن وجود صناعة وطنية للمبيدات سيُسهم في حماية هذه المساحة المزروعة من الآفات، ويعزز تنافسية الصادرات المصرية في الأسواق العالمية، لا سيما في ظل القيود الأوروبية المتزايدة بشأن متبقيات المبيدات على المنتجات الزراعية.
صناعة المبيدات… قضية سيادة وطنية قبل أن تكون اقتصادية
وشددت "أبو يوسف" على أن قضية المبيدات لا تخص المزارعين أو الشركات فقط، بل هي قضية سيادة وطنية ترتبط بالأمن القومي الغذائي.
وقالت إن المزارع قد يتأقلم مع ارتفاع أسعار الأسمدة أو البذور، لكنه لا يستطيع مواجهة الآفات الزراعية من دون أدوات فعالة لحمايتها، مشيرة إلى أن الآفات الزراعية تتسبب في فقدان نحو 30% من الإنتاج الزراعي العالمي سنويًا، ما يجعل السيطرة عليها أمرًا حتميًا لضمان استقرار سلاسل الإمداد الغذائية.
مصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا لصناعة المبيدات
وتابعت "أبو يوسف" أن مصر تمتلك المقومات اللازمة للتحول إلى مركز إقليمي لصناعة المبيدات في الشرق الأوسط وأفريقيا، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، واتساع قاعدتها الزراعية، ووجود بنية صناعية متطورة، إلى جانب الخبرات العلمية الكبيرة التي يزخر بها مركز البحوث الزراعية والمعامل المتخصصة في مجالات التحليل والكشف عن بقايا المبيدات.
وأضافت أن هذه المقومات تجعل من مصر بيئة جاذبة للاستثمار في هذا المجال الواعد، إذا ما تم تهيئة البنية التشريعية والبيئية الداعمة له.
خطة مرحلية لتوطين الصناعة وتجاوز التحديات
ولفتت رئيس لجنة المبيدات إلى أن التحديات الحالية، مثل ارتفاع تكلفة إنشاء المصانع وضرورة تحديث التشريعات المنظمة، يمكن التغلب عليها من خلال خطة مرحلية تبدأ بإعادة تعبئة وتجهيز المستحضرات محليًا، ثم التوسع لاحقًا في إنتاج المواد الفعالة داخل مصر بالتعاون مع شركات صينية وهندية عبر نظام المناطق الحرة أو الشراكات الصناعية.
وأشارت إلى أن هذه الخطة ستسمح بتقليل فاتورة الاستيراد تدريجيًا، ورفع كفاءة العاملين، وبناء قاعدة صناعية قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
ختام: توطين المبيدات... مشروع وطني نحو الاكتفاء الذاتي
واختتمت الدكتورة هالة أبو يوسف تصريحاتها بالتأكيد على أن توطين صناعة المبيدات مشروع وطني قابل للتحقق، شريطة توجيه الاستثمارات والجهود الحكومية والبحثية نحوه بشكل منسق.
وشددت على أن هذا المشروع لا يمثل فقط خطوة اقتصادية، بل ركيزة أساسية لتحقيق السيادة الوطنية الزراعية وضمان استدامة الأمن الغذائي للأجيال القادمة، مؤكدة أن الوقت قد حان لتحويل هذه الرؤية إلى واقع صناعي ملموس يسهم في تعزيز مكانة مصر الزراعية على المستويين الإقليمي والعالمي.

