كيف يحمي التصنيع الغذائي المزارع والمستهلك من تقلبات الأسعار؟

أكد الدكتور محمد طلعت، خبير الصناعات الغذائية، أن التصنيع الغذائي يمثل أمل مصر ومستقبلها الاقتصادي، باعتباره وسيلة فعالة لتعزيز القيمة المضافة للإنتاج الزراعي، والحفاظ على فائض المحاصيل، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة الاقتصادية.
التصنيع الغذائي يقلل الهدر ويرفع القيمة السوقية
وأوضح الدكتور طلعت أن بعض الحاصلات الزراعية تتزايد أحجام إنتاجها في فترات معينة من العام، ما يؤدي إلى زيادة المعروض وتراجع الأسعار، متسببًا في خسائر للمزارعين.
وأشار إلى أن الحل يكمن في تحقيق الاستفادة القصوى من المحصول وتقليص نسب الهدر من خلال عمليات التصنيع والتعبئة والتصدير التي تعزز من القيمة السوقية للمنتج وتفتح أسواقًا جديدة أمامه.
4 مليارات دولار صادرات غذائية في 7 أشهر
وكشف خبير الصناعات الغذائية أن الصادرات المصرية من الأغذية المصنعة بلغت خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 4.03 مليارات دولار، بزيادة قدرها 291 مليون دولار مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، بنسبة نمو بلغت 8%، وفقًا لبيانات المجلس التصديري للصناعات الغذائية.
ولفت إلى أن هذا النمو يعكس اتساع رقعة التصنيع الغذائي في مصر بمختلف أنواعه، سواء في مجالات التجفيف والتخزين والتخليل، أو في الصناعات التحويلية المتقدمة.
التصنيع الغذائي يوازن الأسعار ويحمي المزارع والمستهلك
وأوضح الدكتور طلعت أن التوسع في التصنيع الغذائي يساهم في خلق حالة من التوازن السعري داخل الأسواق، لا سيما خلال فترات وفرة الإنتاج، حيث يؤدي حفظ المنتجات وتخزينها أو تحويلها إلى مواد مصنعة إلى منع تلف المحاصيل وحماية المزارع من الخسائر، إضافة إلى توفير المنتجات للمستهلك على مدار العام بأسعار مستقرة.
وأشار إلى أنه يمكن تحقيق ذلك عبر تجفيف المحاصيل أو تخليلها أو تمليحها، مثل تحويل الليمون إلى ملح ليمون أو ليمون مجفف، بما يقلل من الفاقد ويزيد من معدلات التشغيل.
الصناعات الصغيرة.. عمالة كثيفة وفرص تشغيل واعدة
وبيّن أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال الصناعات الغذائية تتميز بـكثافة العمالة وانخفاض الاعتماد على التكنولوجيا المعقدة، مما يجعلها من أبرز مصادر خلق فرص العمل في السوق المحلي، مؤكدًا أن التصنيع أفضل من بيع المنتج الخام، لأنه يحقق عائدًا أعلى ويزيد من القدرة التنافسية.
الأسواق الإقليمية متعطشة للمنتجات المصرية
ونوه الدكتور طلعت إلى أن الأسواق الأفريقية والخليجية تُعد من أكثر الأسواق عطشًا للمنتجات الغذائية المصنعة المصرية، موضحًا أن تفعيل اتفاقيات التجارة البينية الأفريقية وتوفير الدعم اللوجستي والتخزيني سيُسهم في توسيع انتشار الصادرات المصرية.
وأضاف أن بعض الدول تستورد الزيتون المصري الخام لتصنيعه محليًا، ما يدفع إلى ضرورة تطوير عمليات التصنيع داخليًا حتى تصبح مصر مركزًا عالميًا لتصنيع الزيتون الذي يُعد من أقل المحاصيل استهلاكًا للمياه وأكثرها ربحية.
مصر الثانية عالميًا في تصدير الزيتون
ووفقًا للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، بلغت صادرات الزيتون المصري خلال عام 2024 نحو 226 مليون دولار بزيادة 4% عن العام السابق، لتحل مصر في المرتبة الثانية بعد إسبانيا عالميًا، كما ارتفعت صادرات زيت الزيتون بنسبة 76% محققة 35 مليون دولار مقابل 20 مليون دولار في 2023.
تسهيلات وتشريعات مطلوبة لدعم المنتجين
وأكد خبير الصناعات الغذائية أن تيسير الإجراءات أمام المنتجين يتطلب بنية تشريعية مرنة وتسهيلات مصرفية لدعم التمويل، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتوسيع قاعدة التشغيل وخلق فرص عمل جديدة. كما شدد على أهمية توحيد الجهات الرقابية وتطبيق حوكمة فعالة لتحسين جودة المنتج المصري وتعزيز تنافسيته عالميًا.
معامل التخليل والمشروعات الصغيرة.. ضرورة للتوسع
وقال إن عدد المصانع العاملة في تصنيع المخللات في مصر لا يزال محدودًا رغم ارتفاع الطلب المحلي والعالمي، داعيًا إلى التوسع في إنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة بهذا القطاع، لما توفره من قيمة مضافة للمحاصيل الزراعية، وتحقيق توازن موسمي للأسعار.
فترات مثالية للتجفيف والتصنيع
ولفت إلى أن فترات التصنيع المثلى تتراوح بين 3 أسابيع إلى شهر، موضحًا أن موسم الشتاء مناسب لتصنيع الجزر واللفت والقرنبيط، بينما يُستغل الصيف في تصنيع الليمون والزيتون والفلفل والطماطم.
وذكر أن صادرات الطماطم المجففة والمركزات تجاوزت 100 مليون دولار سنويًا لتضع مصر في المرتبة الثامنة عالميًا، مؤكدًا أن إنشاء وحدات تجفيف محلية منخفضة التكلفة ممكن في مختلف المحافظات.
ترخيص أسهل ورقابة بنّاءة
وطالب الدكتور طلعت بضرورة تيسير إجراءات التراخيص والموافقات الصحية للمصانع، مشيرًا إلى أهمية أن تتحرك الجهات الرقابية ميدانيًا لمتابعة المنتجين وتقديم الإرشاد الفني لضمان الجودة والالتزام بالمعايير الصحية.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. بوابة النهضة الصناعية
وأوضح أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل الركيزة الأساسية لنهضة الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى تجارب دول مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا التي اعتمدت على هذا النوع من المشروعات لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتوسع الصناعي.
الشباب والمراكز البحثية.. قاطرة التطوير الصناعي
وختم الدكتور محمد طلعت حديثه بالتأكيد على أن التطوير الصناعي المستدام يتحقق عبر أفكار الشباب المبتكرة ودعم المراكز البحثية والجامعات لتقديم الحلول العملية والتكنولوجية التي تُسهم في زيادة الناتج القومي وتعزيز الصادرات.

