الأرض
موقع الأرض

نداء عاجل لإنقاذ الأرض الزراعية من الاندثار

إزالة التعديات على الأراضي
كتب - إسلام موسى: -

أكد الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق، أن حماية الأراضي الزراعية في مصر ليست خيارًا، بل واجبًا إلزاميًا على عاتق الحكومات، وأن أي تهاون في هذا الملف يُعد جريمة في حق الحاضر والمستقبل.

إرث الأجداد الذي يواجه خطر الاندثار

تعد الأراضي الزراعية في مصر نتاج آلاف السنين من الترسيب الطبيعي للطمي والمعادن، التي كوّنت على ضفاف النيل واحدة من أخصب الأراضي الزراعية في العالم. هذه الثروة لم تأتِ بسهولة، وإنما تشكلت عبر قرون من الزمن، واليوم باتت مهددة ليس فقط باعتداءات الأفراد، بل والأخطر من ذلك: بتعديات الحكومة ذاتها.

ففي الوقت الذي تضع فيه الدولة قوانين مشددة تصل إلى الحبس لمن يتعدى على الأراضي الزراعية حتى وإن كانت مملوكة له، نجد أن جهات حكومية تسمح لنفسها بالتعدي على هذه الأراضي بذريعة "المنفعة العامة"، والتي في معظمها تتمثل في إنشاء طرق أو مشروعات إسكان. هذا التناقض الصارخ يطرح تساؤلات خطيرة حول ازدواجية المعايير في تطبيق القانون، ويثير المخاوف بشأن مستقبل الرقعة الزراعية في مصر.

الأحوزة العمرانية: قنابل موقوتة تهدد الزراعة

يشير الدكتور صلاح يوسف إلى ما أسماه بـ"مدخل غير دستوري" وهو توسيع الأحوزة العمرانية، التي سمحت لأشخاص بالبناء على أراضٍ زراعية تحت مظلة القانون، بينما يُجرّم نفس الفعل إن صدر من مواطن مجاور له دون تقنين. هذا الشكل من التمييز، بحسب الوزير الأسبق، لا يتفق مع مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين.

بل الأكثر خطورة، أن كثيرًا من هذه التعديات تمت على أراضي مخصصة للبحث العلمي، مثل أراضي مركز البحوث الزراعية، ومركز بحوث الصحراء، والمزارع التابعة لكليات الزراعة، وهي أراضٍ تُمثل كنزًا علميًا واستراتيجيًا لمصر، كونها تجمع بين الإنتاج الزراعي وتطوير الأبحاث العلمية التي تخدم الاقتصاد القومي والأمن الغذائي.

عندما تتعدى الدولة على العقل

التعدي على أراضي البحث العلمي، وفقًا لتصريح يوسف، لا يُعد مجرد تعدٍ على الأرض، بل هو تعدٍ على العقل المصري وإنتاجه العلمي. تلك المزارع البحثية ليست فقط مصدرًا للمعلومة الزراعية الدقيقة، بل هي منصات لاختبار محاصيل جديدة، تطوير نظم ري حديثة، وتحسين جودة الإنتاج الزراعي. إزالتها لصالح الإسكان هو بمثابة هدم صرح من المعرفة لصالح كتلة من الخرسانة.

هل تُعقل مفارقة 7% من الأرض من أجل الإسكان؟

مصر، كما يعلم الجميع، يعيش سكانها على أقل من 7% من مساحتها الكلية، والبقية صحاري وجبال. وبحسب الوزير الأسبق، فإن التوسع العمراني يمكن أن يتحقق في عشرات المواقع داخل الصحراء الغربية والشرقية وشمال سيناء، دون الحاجة إلى التضحية بالأراضي الزراعية القديمة.

ومع ذلك، يصر بعض المحافظين، وفقًا لتصريحاته، على انتزاع أراضي البحث العلمي بحجة عدم وجود ظهير صحراوي، وكأن الأرض الزراعية أصبحت الحلقة الأضعف. هل هذه الرؤية كافية لهدم إرث زراعي عمره آلاف السنين؟

دعوة رئاسية لإنقاذ ما تبقى

يوجّه الدكتور صلاح يوسف نداءً صريحًا إلى رئيس الجمهورية للتدخل العاجل وأمر الحكومة برفع يدها عن الأراضي الزراعية، سواء كانت ملكًا خاصًا أو مملوكة للدولة أو تابعة لمراكز البحوث.

ويشدّد على أن استصلاح ملايين الأفدنة الجديدة لا يمنح أحدًا الحق في التفريط في الأراضي القديمة، مؤكدًا أن الأراضي المستصلحة تواجه تحديات مائية وبيئية قد تجعلها غير قابلة للاستمرار.