من الذرة إلى القمح.. ماذا يزرع الفلاح في أول شهور السنة القبطية؟

يفتح شهر "توت" أبواب موسم الزراعة الجديد في مصر، ليكون كما اعتاد الفلاح المصري عبر آلاف السنين، بداية التقويم الزراعي الحقيقي، ومؤشرًا دقيقًا لتغير الفصول، وتحرك المحاصيل، واستعداد الأرض لموسم الخريف والشتاء.
أكد الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أن شهر توت، أول شهور التقويم القبطي، لا يزال يُمثل حجر الزاوية في التوقيتات الزراعية في مصر، مشيرًا إلى أن الخبرة الفلاحية القديمة اعتمدت على هذا التقويم في تحديد مواعيد الزراعة والري، وما زال يُستخدم كـ"دستور أرضي" للمزارعين حتى اليوم.
"توت بيقول للحر موت"… الخريف يبدأ فلكيًا وزراعيًا
وأوضح فهيم أن بداية الخريف فلكيًا هذا العام ستكون يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025، الموافق 12 توت، عند الساعة 3:45 مساءً، وهي لحظة تتوافق بدقة مع التقويم القبطي الزراعي، الذي يجسد عمق التراث الفلاحي المصري في التعامل مع المواسم.
ويُعبّر الموروث الشعبي عن هذا التحول الموسمي بقولهم: "توت بيقول للحر موت"، في إشارة إلى انكسار درجات الحرارة بعد صيف طويل ومرهق، حيث تبدأ نسمات البرودة الخفيفة في الليل والصباح، ويظهر التباين الملحوظ بين حرارة النهار وبرودة الليل، ما يُساعد على تهوية التربة وتنشيط نمو النباتات.
أبرز الظواهر الزراعية في شهر توت
شهر "توت" ليس مجرد تحول فلكي، بل منعطف حقيقي في دورة الزراعة المصرية. ومن أبرز الظواهر الزراعية التي يشهدها هذا الشهر:
انتهاء موسم المحاصيل الصيفية مثل الذرة، القطن، والأرز.
بدء زراعة المحاصيل الشتوية المبكرة مثل البرسيم، البصل، والقمح في بعض المناطق.
ظهور آفات الخريف الانتقالية مثل الذبابة البيضاء، والمنّ، والجاسيد، وديدان الأوراق.
ويقول الفلاحون: "توت ري ولا فوت"، للتأكيد على أهمية الري في هذه الفترة، وكذلك "توت كل خريف يفوت"، كناية عن بداية موسم الزراعة الشتوي.
توصيات مهمة للفلاحين في "توت"
قدم الدكتور محمد علي فهيم مجموعة من الإرشادات الزراعية الهامة خلال هذا الشهر الانتقالي، لمواجهة آثار تغير المناخ وتحقيق أفضل إنتاجية ممكنة، منها:
1. الاستمرار في ري المحاصيل الصيفية المتأخرة مثل الذرة، السمسم، الصويا، والقطن، بشكل منتظم ومتوازن.
2. تجهيز الأراضي للزراعات الشتوية المبكرة وفق الجداول الزمنية المقررة.
3. الرصد اليومي للحقول لاكتشاف أي بؤر للآفات مبكرًا، واتخاذ إجراءات المكافحة في الوقت المناسب.
4. استغلال انخفاض درجات الحرارة في تنفيذ عمليات الخدمة مثل التسميد والتقليل من عدد مرات الري، لتقليل نسبة الرطوبة الأرضية.
5. الالتزام الكامل بتقويم الفلاح المصري كمرجع زراعي أصيل، يضبط إيقاع العمل الزراعي منذ آلاف السنين.
تغير المناخ... ومرونة التقويم القبطي الزراعي
رغم التغيرات المناخية المتسارعة، والتي قد تُطيل أحيانًا بقاء مظاهر الصيف، إلا أن الحدّة تنخفض تدريجيًا في شهر توت، مما يؤكد مرونة وجدوى التقويم القبطي في التعامل مع المتغيرات المناخية الحديثة.
ويبقى هذا التقويم شاهدًا على الذكاء البيئي القديم للفلاح المصري، وقدرته على التنبؤ بالتغيرات ومواكبتها دون أجهزة علمية، بل من خلال الملاحظة والخبرة والفطرة الزراعية.