أسرار فقد المياه من النباتات وطرق مواجهتها

كشف الدكتور محمد عبد ربه، مدير المعمل المركزي للمناخ، أن هناك مجموعة معقدة من العوامل البيئية والنباتية التي تتحكم في كمية المياه التي يفقدها النبات من سطحه عبر عملية تُعرف بـ"النتح"، وهي ما يعادل تعرّق النبات.
أولاً: العوامل البيئية... حين تتحكم الطبيعة في العطش
تشمل العوامل البيئية المؤثرة على فقد المياه ما يلي:
أشعة الشمس: كلما زادت شدة الإشعاع الشمسي، ارتفع معدل التبخر والنتح.
درجة الحرارة: الارتفاع الحراري يُسرّع من تبخر المياه من الأوراق والتربة.
الرطوبة النسبية: انخفاضها يخلق فرقاً كبيراً في الضغط البخاري بين الورقة والجو، ما يزيد فقد الماء.
الرياح: تعمل على إزالة طبقة البخار المحيطة بالورقة، مما يدفع النبات لفقد المزيد من الرطوبة.
ثانيًا: العوامل النباتية... عندما يتحكم النبات في نفسه
ليست البيئة وحدها المسؤولة عن فقد المياه، فهناك خصائص داخلية للنبات تلعب دورًا حاسمًا في هذه المعادلة:
الثغور والتحكم في النتح:
تحمل أوراق النبات عددًا كبيرًا من "الثغور"، وهي فتحات دقيقة تحاط بخلايا حارسة تنظم فتحها وغلقها. هذا النظام يعمل بتوازن دقيق، يتأثر بعوامل مثل:
الضوء
تركيز ثاني أكسيد الكربون
درجة الحرارة
توفر الماء
تركيز البوتاسيوم في الخلايا
عند توفر الماء بكثرة، تمتلئ الخلايا الحارسة وتفتح الثغور، مما يزيد من النتح. أما عند الجفاف، تنكمش هذه الخلايا وتغلق الثغور، لحماية النبات من فقد الماء.
مساحة سطح الورقة:
كلما كبر سطح الورقة، زادت كمية المياه التي يمكن أن تُفقد. ومن المثير أن النباتات الصغيرة غالباً ما تنتح بمعدل أعلى من النباتات الكبيرة عند المقارنة بوحدة المساحة.
شكل الأوراق والجذور:
انثناء الأوراق أو التفافها يمكن أن يقلل من التعرض المباشر لأشعة الشمس، وبالتالي يقلل من فقد الماء.
حجم وعمق المجموع الجذري، إلى جانب نسبة الجذور إلى المجموع الخضري، تحدد قدرة النبات على امتصاص الماء وموازنة ما يفقده بالنتح.
مراحل النمو وتغير الاحتياجات المائية
يشير الدكتور عبد ربه إلى أن الخصائص النباتية تتغير عبر مراحل نمو المحصول، بدءًا من مرحلة البادرة، مرورًا بالنمو الخضري، فالزهري، ثم الثمري، وصولًا إلى مرحلة الشيخوخة. وكل مرحلة لها احتياج مائي مختلف.
ليس هذا فقط، بل إن اختلاف الأصناف داخل نفس المحصول – مثل صنف عنب مبكر وآخر متأخر – يُنتج تباينًا ملحوظًا في استهلاك المياه، ما يؤكد أهمية فهم معامل المحصول (Kc) في إدارة الري بدقة.
ما هو معامل المحصول (Kc)؟
هو نسبة كمية المياه التي يفقدها المحصول فعليًا (ETc) إلى كمية المياه التي يفقدها محصول مرجعي مثل البرسيم الحجازي (ETo). تبدأ هذه النسبة عادة من 0.3 في المراحل الأولى، وقد تصل إلى 1.2 خلال ذروة النمو، بحسب نوع النبات والصنف المزروع.
كيف نُقلل من فقد المياه؟
ولأن الوقاية خير من العلاج، يشير الخبير الزراعي إلى عدد من الوسائل العملية لتقليل النتح والتبخر:
مكافحة الحشائش التي تنافس المحصول على الماء.
تقليم الأوراق لتقليل السطح المتعرض لأشعة الشمس.
إقامة مصدات للرياح حول الحقول لحماية النباتات.
استخدام المواد المانعة للنتح وهي مواد تُرش على النبات لتقليل فقد الماء.
تغطية التربة (Mulching) باستخدام قش أو مواد عضوية لتقليل تبخر الماء من سطح التربة.
العلم يقود الزراعة الذكية
وأختتم الدكتور محمد عبد ربه حديثه مؤكداً أن فهم التوازن بين العوامل البيئية والخصائص النباتية في فقد الماء يمثل الخطوة الأولى نحو زراعة ذكية ومستدامة. وبينما يظن البعض أن الأمر يتوقف عند كمية المياه التي تُضخ، فإن الإدارة العلمية لفقد المياه قد تكون مفتاح زيادة المحصول، وتحقيق ربحية أعلى.