الملوخية.. ”الذهب الأخضر” على موائد المصريين: رحلة من الحقل إلى السوق

وسط الحقول الخضراء، وتحت أشعة الصباح الأولى، تبدأ رحلة محصول فريد ارتبط بتاريخ وهوية المائدة المصرية منذ آلاف السنين... الملوخية.
ورغم بساطتها الظاهرة كأوراق خضراء تطهى في دقائق، إلا أن وراء هذا الطبق الشعبي الشهير قصة زراعية متقنة تبدأ من لحظة الحصاد، وتمتد حتى تصل الحزمة الطازجة إلى أيدي البائعين في الأسواق.
الحصاد... فن التوقيت ودقة الاختيار
يبدأ موسم حصاد الملوخية عندما تصل النبتة إلى طول يتراوح ما بين 30 و 40 سم، وهي المرحلة التي تكون فيها الأوراق نضرة و مكتملة النمو دون أن تتحول إلى ألياف خشنة. في الساعات الأولى من الصباح، يخرج الفلاح إلى أرضه، ممسكًا بمنجل أو مقص حاد، ليبدأ أولى خطوات الحصاد.
يقول أحد المزارعين:"القطف مش مجرد شغل يومي، ده لحظة حساسة جدًا. لو حصدت بدري الورق بيبقى طري وسهل يتلف، ولو استنيت زيادة، الورقة تتحول لألياف محدش يقدر يأكلها."
الحزم... جمال التنظيم وسر الطزاجة
بعد الحصاد، تُجمع السيقان في حزم صغيرة لا يتجاوز قطر الواحدة منها قبضة اليد. وتُربط الحزم بخيوط طبيعية أو شرائط بلاستيكية مرنة، مع مراعاة أن تكون الأوراق في الأعلى بشكل جذاب ومنظم.
"السر في الحزمة الجيدة هو التناسق"، هكذا يوضح أحد باعة الجملة في سوق العبور، مضيفًا: "يعني السيقان كلها بطول واحد، والورق لونه أخضر نضر، ما يكونش ذابل أو فيه بقع، لأن شكل الحزمة أول حاجة بتشد الزبون."
ما قبل السوق... خطوات دقيقة لحفظ النضارة
قبل تحميلها إلى الأسواق، تُفرش حزم الملوخية على الأرض الزراعية لمدة لا تتجاوز الساعة، بهدف التهوية والتخلص من أي رطوبة زائدة، مع وضع قماش أو غطاء بلاستيكي نظيف أسفلها لحمايتها من الأتربة.
هذه المرحلة تُعدّ ضرورية للحفاظ على نضارة الأوراق وتثبيت شكل الحزمة، حيث تسمح بتجفيف السطح الخارجي دون أن يؤدي ذلك إلى الذبول.
وفي بعض الأحيان، يقوم الفلاح برشّ القليل من الماء البارد فوق الحزم قبل نقلها، لضمان بقائها طازجة طوال رحلة التوصيل.
طبق شعبي... وجذور ضاربة في عمق الأرض
الملوخية ليست مجرد نبات ورقي أو وجبة شعبية، بل هي امتداد ثقافي وزراعي عميق في وجدان المصريين. حكايتها لا تبدأ من المطبخ، بل من الحقل، حيث يُتقن المزارع فنون الحصاد والعناية من أجل الوصول إلى منتج نهائي يليق بتقاليد أقدم مائدة في الشرق الأوسط.