فرص استثمارية مذهلة في سوق الزيوت العطرية المصري

أكدت الدكتورة رانية مرتضى، أستاذ ورئيس وحدة النباتات الطبية والعطرية بمركز بحوث الصحراء، أن الزيوت العطرية ليست مجرد مستحضرات تجميل أو مواد خام لصناعة العطور، بل تمثل جزءًا من التراث الطبي والثقافي لمصر القديمة. فالمصريون القدماء استخدموها في التداوي والتجميل والتطهير والطقوس الدينية، كما عُثر على بقاياها داخل الآنية الفخارية والزجاجية بالمقابر الملكية.
وتوضح د. رانية أن الجداريات الفرعونية والنقوش القديمة كشفت عن استخدام نباتات مثل الألوفيرا، النعناع، الزعتر، الحلبة، الكزبرة، القرنفل، الزنجبيل والزعفران في العلاج، فضلًا عن استخدام اللبان والمر والبخور لتعطير الأجواء الجنائزية والمنازل، في دلالة واضحة على الوعي المصري القديم بقيمة النباتات العطرية.
ومن أبرز الزيوت التي حظيت بمكانة خاصة في العصور الفرعونية:
زيت اللبان: استخدم في التحنيط والطقوس الدينية والتطهير.
زيت القرفة: عُرف بخصائصه المضادة للالتهابات ومسكن للآلام.
زيت الزعفران: استُخدم في تلوين الأطعمة وتعطيرها.
زيت العنبر: كان عنصرًا أساسيًا في صناعة العطور.
زيت اللافندر: استُخدم كمهدئ للأعصاب ومحسن لجودة النوم.
زيت النعناع: اشتهر بفعاليته في علاج اضطرابات الهضم والصداع.
الذهب الأخضر.. فرصة استثمارية لم تُستغل بعد
في السياق الاقتصادي، ترى الدكتورة وفاء حامد، أستاذ النباتات العطرية بمركز بحوث الصحراء، أن مصر تمتلك مقومات نادرة تجعلها من الدول الرائدة في إنتاج وتصدير الزيوت العطرية، بدءًا من تنوع التربة والمناخ، ووصولًا إلى وفرة المحاصيل وجودة الإنتاج.
وتؤكد حامد أن مصر تحتل حاليًا المرتبة الخامسة عالميًا في تصدير النباتات الطبية والعطرية، مع صادرات تصل إلى نحو 80 مليون دولار من الزيوت والعجائن، و250 مليون دولار من الأعشاب الجافة سنويًا، مشيرة إلى أن حجم المساحات المزروعة بلغ قرابة 100 ألف فدان، ومن المستهدف زيادتها إلى 500 ألف فدان بحلول عام 2030.
وتضيف أن المناخ المصري المعتدل يساعد في إنتاج زيوت طيّارة عالية الجودة وبكميات كبيرة، كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي يقلل من تكاليف الشحن والتصدير. وتشير إلى وجود أكثر من 30 نوعًا من النباتات تُزرع اقتصاديًا في مصر وتصلح لاستخلاص الزيوت.
قرى مصرية تحوّلت إلى مراكز عالمية للعطر
من أبرز التجارب الناجحة محليًا في هذا القطاع، قرى مركزى أهناسيا وناصر بمحافظة بني سويف، التي تشتهر بزراعة نبات العتر البلدي (الجيرانيوم). وتنتشر فيها 25 وحدة إنتاج لاستخلاص الزيوت، وتُصدر نحو 90% من إنتاجها عالميًا. ويباع كيلو زيت العتر بـما يتراوح بين 3500 إلى 4000 جنيه.
كما تُعد منطقة الواسطى ناصر من أبرز المنتجين عالميًا، حيث تُزرع فيها أكثر من 30 ألف فدان من العتر، وتنتج 13% من الإنتاج العالمي من زيته، الذي يُستخدم في الصناعات الدوائية والتجميلية.
أما قرى الغربية مثل شبرا بلولة والقرشية وسامول، فتميزت بزراعة الياسمين واللارنج، وتنتج ما يقارب 50% من عجينة الياسمين المستخدمة في أرقى دور العطور العالمية، بسعر توريد رسمي يبلغ 105 جنيهات للكيلو.
وفي شبه جزيرة سيناء، يمكن التوسع في زراعة أنواع فريدة مثل: النارنج، الفتنة، البابونج، الريحان، الورد، وزيت اللوز، مع إمكانية تصدير المنتج بالكامل على غرار النموذج المغربي الناجح.
عقبات تقف في طريق الريادة
رغم الإمكانيات الهائلة، إلا أن القطاع يواجه تحديات كبيرة تهدد مستقبله، أبرزها:
ضعف استخدام التقنيات الحديثة في الاستخلاص والمعالجة.
غياب قاعدة بيانات دقيقة لسلاسل الإنتاج والتصدير.
تدهور جودة الزيوت في بعض الأصناف نتيجة لعدم إدخال سلالات جديدة.
ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات والطاقة مع ضعف الرقابة على جودتها.
نقص الإرشاد الزراعي ما يؤدي إلى تلوث المحاصيل بمتبقيات المبيدات ورفضها خارجيًا.
عدم وجود وحدات تقطير حديثة بالقرب من مناطق الزراعة.
تعقيدات التراخيص الصناعية التي تُجبر المنتجين على الابتعاد عن القرى المنتجة.
وترى د. وفاء حامد أن إقامة وحدات تقطير حديثة من الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل)، مزودة بأنظمة تحكم دقيقة، من شأنه تقليل الفاقد وتحسين جودة الزيت المنتج، داعية إلى ضرورة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع.
مشروع واعد بتكلفة تبدأ من 5 ملايين جنيه
بحسب منصة المشروعات الصغيرة التابعة لجهاز تنمية المشروعات، فإن مشروع إنتاج الزيوت العطرية والطبية يُعد من المشاريع الواعدة، شريطة الالتزام بالمعايير الصحية والجودة المطلوبة عالميًا. وقدّرت المنصة التكلفة المبدئية للمشروع بنحو 5 ملايين جنيه، مع إمكانية الحصول على قرض يغطي 70% من التكلفة الاستثمارية، والباقي بتمويل ذاتي.
ويعتمد نجاح المشروع على توافر المحاصيل طوال العام، مع إنشاء وحدات استخلاص وتعبئة عالية الكفاءة، والاستفادة من دعم الدولة للمشروعات الصغيرة.
فرصة ذهبية تنتظر من يقتنصها
رغم التحديات، يبقى هذا القطاع بمثابة منجم ذهب أخضر لم يُستغل بعد بالشكل الأمثل. فبإعادة تنظيم السوق، وتطوير سلاسل الإنتاج، وتسهيل التراخيص، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، يمكن لمصر أن تعود لتكون من بين أكبر 3 دول في العالم في تصدير الزيوت العطرية، كما كانت في سبعينيات القرن الماضي.
وختامًا، فإن الزيوت العطرية والطبية ليست فقط تراثًا نعتز به، بل فرصة اقتصادية حقيقية يجب أن نتمسك بها ونطورها، لتكون مصدر فخر قومي، وموردًا دائمًا للدخل القومي، ومجالًا واسعًا للتشغيل والتصدير والاستثمار.