الأرض
موقع الأرض

«عمارة»: القطن الملون مستقبل صناعة النسيج المستدامة

اسلام موسى -

أوضح الدكتور مصطفى عطية عمارة، وكيل معهد بحوث القطن للإرشاد والتدريب والمتحدث الإعلامي للمعهد، أن مصر حققت طفرة علمية كبيرة بإنتاجها سلالات متميزة من القطن الملون، في خطوة تعزز من قدرة البلاد على المنافسة في سوق الأقطان العالمية، وتفتح آفاقًا جديدة لصناعة النسيج البيئي المستدام.

إنجاز علمي فريد: من التجربة إلى الثبات الوراثي

وقال الدكتور مصطفى عطية عمارة، إن المعهد توصل خلال السنوات الماضية إلى نحو 16 تركيبًا وراثيًّا للقطن الملون، إلا أن التجارب المكثفة والتحاليل الإحصائية أثبتت صلاحية 3 إلى 6 تراكيب فقط من حيث الإنتاجية، ثبات اللون، وجودة الألياف. ومن أبرز السلالات التي تم اعتمادها: سلالة القطن البني الفاتح، وسلالة القطن البني الغامق، وسلالة القطن الأخضر الفاتح.

وأشار عمارة إلى أن هذا التنوع الطبيعي في ألوان القطن ليس مجرد إنجاز زراعي، بل يمثل عودة للأصل؛ إذ إن القطن الملون هو الصيغة الطبيعية الأولى للقطن، فيما يُعد القطن الأبيض طفرة حديثة. ووفقًا لنتائج الاختبارات التكنولوجية، أثبتت سلالات القطن المصري الملون تفوقًا ملحوظًا في المتانة والجودة، بما يفوق ما أنتجته دول رائدة عالميًّا في هذا المجال.

الهندسة الوراثية تفتح آفاق المستقبل

ولفت الدكتور عمارة إلى أن هناك جهودًا حثيثة لدمج برامج الهندسة الوراثية مع برامج التربية، بهدف إنتاج ألوان طبيعية جديدة من القطن ذات خصائص وراثية ثابتة، مما قد يفتح الباب أمام قفزة جديدة في عالم الألياف الطبيعية خلال السنوات المقبلة.

القطن الملون... ثروة اقتصادية وبيئية متكاملة

وأضاف وكيل المعهد أن القطن الملون يمثل قيمة اقتصادية مضافة لا تقف عند حدود الزراعة فقط، بل تمتد إلى الصناعة والتصدير. يتميز القطن الملون طبيعيا بإنتاج أقمشة لا تحتاج إلى عمليات صباغة كيميائية، مما يقلل من استخدام المياه والطاقة والمواد الكيميائية، ويوفر ما يصل إلى 50% من استهلاك المياه، و60% من تكاليف الصباغة والمعالجة.

كما أنه صديق للبيئة، لا يسبب حساسية للبشرة، ويتحمل الغسيل والحرارة، مما يجعله مثاليا لصناعة ملابس الأطفال والمنتجات الصحية. ويُعد خيارًا مثاليًّا في ظل التوجه العالمي نحو الأقمشة البيئية ومنتجات الأزياء المستدامة.

مزايا اقتصادية للمزارعين وصناعات النسيج

ولفت الدكتور مصطفى عمارة إلى أن القطن الملون يوفر دخلًا أعلى للمزارعين بفضل سعره المرتفع، كما أن مقاومته الطبيعية للآفات والأمراض تقلل من احتياجه إلى مستلزمات الإنتاج، مقارنة بالقطن الأبيض التقليدي. يُضاف إلى ذلك أنه يستهلك كميات أقل من المياه والكيماويات، ما يجعل بصمته الكربونية منخفضة ويمنحه ميزة بيئية واضحة.

وأشار عمارة إلى أن بعض بيوت الأزياء العالمية بدأت تبدي اهتمامًا متزايدًا بالقطن المصري الملون، وتسعى للتعاون في زراعته وتصنيعه، مما يعزز فرص إنشاء علامة تجارية عالمية لهذا النوع المميز من القطن، وهو ما يرفع القيمة التسويقية للمنتجات المصرية في الأسواق الدولية.

القيمة المضافة وصادرات مستقبلية واعدة

وتباع وكيل معهد القطن، أن التقديرات تشير إلى أن القيمة المضافة من تصنيع القطن المصري الملون مرتفعة للغاية، حيث تقدر بنحو 40% من بيع الشعر إلى الغزل، و35% من الغزل إلى القماش، وتصل إلى ما بين 85% و87% عند تحويل القماش إلى ملابس جاهزة. هذا يعزز من مكانة مصر بين الدول الكبرى في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة، والصين، والهند، وتركيا.

التحديات على الطريق نحو الإنتاج التجاري الواسع

ونوه عمارة أنه رغم الإنجازات المحققة، يواجه القطن الملون في مصر عدة تحديات، على رأسها: نقص التقاوي اللازمة للتوسع في الزراعة، والحاجة إلى مناطق زراعية معزولة لمنع تداخل التراكيب الوراثية بين الأبيض والملون، وضرورة اعتماد معايير الاستدامة، وتهيئة بيئة إنتاج صناعية متكاملة تدعم هذا النوع من القطن.

كما أكد الدكتور مصطفى عمارة أهمية تبني أسعار تنافسية مشجعة، واستخدام أساليب حديثة في الزراعة والتصنيع، إلى جانب خطة تسويقية قوية محليًّا وعالميًّا لضمان الإقبال على المنتج.

رؤية مستقبلية متكاملة لزراعة القطن ودعم الفلاحين

وشدد وكيل المعهد على أهمية تشجيع الفلاحين على زراعة القطن، سواء الملون أو الأبيض، عبر الزراعة التعاقدية، وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، وتحمل الدولة جانبًا من تكاليف المكافحة والتسميد، وتخفيض فوائد القروض الزراعية، مع جدولة الديون المتعثرة.

كما دعا عمارة إلى زيادة الندوات الإرشادية، وتنفيذ الحقول النموذجية، وتفعيل نقل التكنولوجيا الحديثة إلى المزارعين، لضمان تحسين الإنتاجية وجودة المحصول، وتعزيز تنافسية القطن المصري في الأسواق.

القطن الملون... مستقبل واعد لصناعة مستدامة

واختتم الدكتور مصطفى عمارة أن القطن المصري الملون ليس مجرد محصول، بل هو مشروع وطني يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية وبيئية واستراتيجية، تدفع بصناعة النسيج المصرية نحو مستقبل أكثر استدامة وتوازنًا مع الطبيعة. كما يمثل استجابة ذكية لاتجاهات السوق العالمية المتزايدة نحو المنتجات الصديقة للبيئة، ما يمنح مصر فرصة ذهبية للريادة في هذا القطاع الحيوي.