الأرض
موقع الأرض

الطحالب... كنز أخضر في قلب معركة الطاقة والمناخ

إسلام موسي -

قالت الدكتورة هناء عبدالباقي، أستاذ الكيمياء الحيوية النباتية بالمركز القومي للبحوث، إنه في خضم تصاعد الأزمات البيئية وتنامي الحاجة العالمية إلى مصادر طاقة بديلة، تبرز "الطحالب" كلاعب غير تقليدي على مسرح الطاقة المستدامة، بعدما ظلت لسنوات مجرد كائنات بحرية هامشية لا تلفت الأنظار. واليوم، وبفضل التقدم العلمي، تتغير النظرة كلياً تجاه هذه الكائنات الدقيقة التي تحمل في طياتها حلولًا ثورية قد تعيد رسم خريطة الطاقة عالميًا.

وشرحت الدكتورة هناء عبدالباقي، كيف تحولت الطحالب من كائنات بيئية صامتة إلى مورد استراتيجي بالغ الأهمية. تقول: "في ظل تزايد الضغوط البيئية والبحث المتسارع عن بدائل نظيفة للطاقة، أثبتت الطحالب أنها ليست مجرد كائنات بسيطة، بل منظومة بيولوجية متكاملة قادرة على إنتاج الطاقة، وتنقية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة".

من الماضي الصامت إلى الحاضر الواعد

لطالما عُرفت الطحالب بدورها البيئي الطبيعي في النظم المائية، إلا أن خصائصها الفريدة مثل سرعة النمو، وكفاءتها العالية في التمثيل الضوئي، وقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، جعلتها محط اهتمام الباحثين كمصدر للطاقة الحيوية.

ما يميز الطحالب أنها لا تنافس المحاصيل الزراعية على التربة أو المياه، فهي تُزرع في أي نوع من المياه؛ سواء العذبة أو المالحة أو حتى مياه الصرف، دون الحاجة إلى أسمدة أو مبيدات. ومن خلال عمليات استخراج دقيقة، يمكن تحويل زيوت الطحالب إلى وقود حيوي نظيف مثل الديزل الحيوي، إلى جانب إنتاج الإيثانول الحيوي، الميثان الحيوي، والبيوتانول، بل وحتى الهيدروجين الحيوي.

الطحالب كحل بيئي وتكنولوجي متكامل

تُعد الطحالب نظامًا بيئيًا مغلقًا ومكتفٍ ذاتيًا، يمكنه معالجة مياه الصرف، وامتصاص كميات ضخمة من الكربون، ما يجعلها أداة فعالة في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري. وتكمن قوتها كذلك في استخدامها كمادة خام متعددة الاستخدامات؛ من إنتاج الأعلاف الغنية بالبروتين للحيوانات والأسماك، إلى تصنيع مستحضرات التجميل، والأدوية، واستخراج مركبات غذائية وصيدلانية عالية القيمة مثل أحماض أوميجا-3، ومضادات الأكسدة، والسكرات البديلة للجيلاتين الحيواني.

وفي هذا السياق، تشير د. هناء إلى أن الاستثمار في الطحالب يسهم بشكل مباشر في تحقيق عدة أهداف من أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، على رأسها:

الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة.

الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان.

الهدف 13: العمل المناخي وخفض الانبعاثات.

الهدف 14: حماية النظم البيئية البحرية.

التحديات الحاضرة وآفاق المستقبل

رغم الإمكانات الهائلة، تواجه صناعة الطحالب تحديات اقتصادية وتقنية، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج والحصاد والمعالجة. إلا أن المؤشرات الحالية تبشر بانفراجة قريبة، خاصة مع دخول تقنيات الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي في تحسين سلالات الطحالب وتطوير أنظمة الزراعة الذكية، مما يُنتظر أن يخفض التكاليف ويزيد الإنتاجية.

وتضيف د. هناء: "لكي تصبح صناعة الطحالب مستدامة ومربحة، يجب تبني مفهوم الاستخدام المتكامل للكتلة الحيوية، بحيث لا يتم إهدار أي جزء منها، بل تُستخدم كافة المخرجات في إنتاج الوقود الحيوي، والأسمدة، والألوان الطبيعية، والمركبات عالية القيمة. وهذا النموذج يعزز الربحية ويقلل من التكلفة الكلية للإنتاج".

الطحالب والطاقة الشمسية: تكامل ذكي في قلب الصحراء

في ظل اتساع الرقعة الصحراوية في العديد من الدول العربية، تبرز الطحالب كحل عبقري لتوليد الطاقة من قلب الصحراء. يمكن زراعتها باستخدام مياه الآبار المالحة أو العادمة، مع الاعتماد على الطاقة الشمسية في تشغيل مضخات المياه وأنظمة الإنتاج. بل ويمكن الاستغناء عن بطاريات تخزين الطاقة الشمسية عبر استخدام الديزل الحيوي الناتج من الطحالب لتشغيل الأنظمة ليلًا، مما يعكس نموذجًا عمليًا لتكامل الطاقات المتجددة.

مستقبل أخضر على أجنحة الطحالب

مع استمرار الابتكار التكنولوجي وتنامي الدعم السياسي العالمي لمشاريع الاقتصاد الأخضر، يبدو أن الطحالب في طريقها للتحول من "مورد محتمل" إلى "دعامة رئيسية" في منظومة الطاقة المستدامة. وإذا ما أحسنت الدول استغلال هذا المورد الطبيعي بالشكل الأمثل، فقد نشهد خلال العقود القادمة تحولًا جذريًا في مزيج الطاقة العالمي، حيث تتراجع مكانة الوقود الأحفوري، ويصعد نجم الطحالب كمصدر نظيف، متعدد الاستخدامات، وصديق للبيئة.