الأرض
موقع الأرض

خبراء: إعادة تدوير المخلفات الغذائية مستقبل الصناعة الخضراء

إعادة تدوير المخلفات الغذائية
إسلام موسى -

قالت الدكتورة حنان عبدالكريم، الباحثة بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بمركز البحوث الزراعية، في ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة التي تواجهها الصناعات الغذائية حول العالم، برزت قضية نفايات الأغذية كأحد أخطر مصادر التلوث، وأكثرها إهدارًا للموارد. فقد ظلت هذه النفايات، لعقود طويلة، مجرد مخلفات تُلقى في مكبات القمامة أو يتم التخلص منها بطرق تضر بالبيئة والصحة العامة.

وأضافت ومع تصاعد الوعي العالمي بأهمية الاستدامة البيئية، يشهد العالم تحوّلًا نوعيًا في كيفية التعامل مع نفايات الأغذية، من خلال إعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة. وهو ما اعتبرته الدكتورة حنان عبدالكريم، فرصة استراتيجية لإعادة هيكلة النظام الصناعي الغذائي التقليدي، والانطلاق نحو اقتصاد دائري منخفض الانبعاثات يعتمد على الكفاءة البيئية والابتكار.

من الهدر إلى القيمة: ماذا يعني إعادة تدوير نفايات الغذاء؟

أوضحت د. حنان أن مفهوم إعادة التدوير في قطاع الأغذية يعني تحويل المخلفات الناتجة عن سلاسل الإنتاج والتوزيع إلى موارد يمكن إعادة استخدامها، سواء في نفس القطاع أو في قطاعات أخرى مثل الصناعات الدوائية، التجميلية، الزراعية، أو في إنتاج الطاقة الحيوية.

ويمتد هذا المفهوم ليشمل مكونات مثل قشور الفواكه، العظام، البذور، الدهون، وحتى الزيوت المستخدمة، ما يعكس نقلة نوعية في فلسفة الإنتاج الغذائي تقوم على الاستغلال الأمثل للموارد، وتقليل الفاقد إلى أدنى مستوى ممكن.

من أين تأتي نفايات الصناعات الغذائية؟

تنقسم نفايات الأغذية بحسب مراحلها الإنتاجية إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

نفايات ما قبل الاستهلاك: كقشور الخضروات والفواكه، البذور، العظام، ومخلفات الذبائح.

نفايات أثناء المعالجة: وتشمل المياه الملوثة، بقايا المواد غير المستخدمة، والمخلفات الناتجة عن التحضير.

نفايات ما بعد الاستهلاك: وهي بقايا الطعام من المنازل والمطاعم، والتي غالبًا ما تُهدر دون استغلال.

كل فئة من هذه الفئات تمثل فرصة لإعادة التدوير، إذا ما توفرت البنية التكنولوجية والتشريعية الداعمة لذلك.

أحدث التقنيات... من المخلفات إلى مواد حيوية

اعتمادًا على التطور التكنولوجي، دخلت تقنيات متعددة إلى ميدان إعادة تدوير نفايات الغذاء، منها:

الاستخلاص الحيوي: لاستخراج بروتينات وفيتامينات من المخلفات باستخدام الإنزيمات.

التخمير الميكروبي: لتحويل السكريات إلى مركبات صناعية مثل الإيثانول.

التجفيف والطحن: لصناعة مساحيق ألياف غذائية أو مكونات إضافية للأطعمة.

الاستخلاص بالمذيبات: لفصل الزيوت ومضادات الأكسدة من قشور الفواكه والبذور.

كل هذه التقنيات تمهد الطريق لمنتجات غذائية جديدة وآمنة وصديقة للبيئة.

لماذا الاستدامة في الصناعات الغذائية باتت أولوية؟

الصناعات الغذائية تستهلك كميات ضخمة من المياه والطاقة والأراضي، وتُسهم في انبعاث كميات هائلة من الغازات الدفيئة، مما يزيد من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومن هنا، فإن اعتماد نُظم إنتاج مستدامة في هذا القطاع ليس رفاهية، بل ضرورة لحماية البيئة، والحفاظ على الموارد، وتعزيز الأمن الغذائي للأجيال القادمة.

من القمامة إلى الذهب: أمثلة على منتجات معاد تدويرها

مضادات أكسدة طبيعية من قشور العنب والرمان، تستخدم كبدائل للمضافات الصناعية.

زيوت غذائية وتجميلية مثل زيت بذور العنب والتين الشوكي.

مساحيق ألياف غذائية من قشور البرتقال والموز، تضاف للأطعمة كمكملات.

سماد عضوي (كمبوست) من بقايا الأغذية لدعم الزراعة المستدامة.

علف للحيوانات باستخدام مخلفات الإنتاج بعد معالجتها وتعقيمها.

البيوجاز من خلال تخمير النفايات العضوية، لتوليد طاقة نظيفة.

الفوائد البيئية والاقتصادية لإعادة التدوير

تقليل تراكم النفايات وتحسين إدارتها.

خفض انبعاثات الكربون وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

خلق فرص عمل جديدة في الصناعات الخضراء.

رفع كفاءة استخدام الموارد وتقليل الاعتماد على المواد الخام الجديدة.

التحديات التي تقف في الطريق... والحلول الممكنة

رغم النجاحات، إلا أن مسار إعادة التدوير لا يخلو من التحديات، أبرزها:

نقص التكنولوجيا في الدول النامية.

ارتفاع التكاليف الاستثمارية لوحدات التدوير.

غياب الحوافز القانونية والاقتصادية للمستثمرين.

الحاجة إلى معايير جودة دقيقة للمنتجات المعاد تدويرها.

لكن هذه التحديات قابلة للتذليل من خلال دعم حكومي مباشر، تشجيع الاستثمار، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تعزيز البحث العلمي في هذا المجال.

نحو مستقبل أخضر للصناعات الغذائية

مع استمرار الجهود لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة لإدارة نفايات الأغذية، يمكننا أن نتصور مستقبلًا للصناعات الغذائية يكون فيه الهدر موردًا، والمخلفات فرصة، والطعام لا يُنتج فقط للاستهلاك، بل لإعادة التدوير والإفادة المتكاملة.

وفي هذا المستقبل، لن يكون هناك مكان لمنتج غذائي يُهدر دون هدف، بل ستكون كل ثمرة، وكل قشرة، وكل قطرة زيت... بداية لقصة جديدة من الإنتاج النظيف، والاقتصاد الأخضر، والكوكب المستدام.