غياب الإخصاب يهدد مستقبل القطن المصري

سلّط الدكتور فيصل يوسف، أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا علم البذور بمركز البحوث الزراعية، الضوء على عنصر بالغ الأهمية قد يغفله كثيرون، رغم دوره المحوري في تحديد جودة وإنتاجية المحصول: عملية التلقيح والإخصاب في القطن، مشيراً أنه في خضم التحديات الزراعية التي تواجهها المحاصيل الاستراتيجية، يبقى القطن، أو كما يُعرف بـ"الذهب الأبيض"، أحد أبرز المحاصيل التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد الوطني والصناعات النسيجية.
الماضي: أساسات بيولوجية لم تكن ظاهرة للجميع
وأشار أنه منذ القدم، ارتبط نجاح زراعة القطن بإنتاج "التيل" أو الشعر، وهو الجزء الاقتصادي الأهم في نبات القطن، والذي يستخدم في تصنيع الأقمشة والمنسوجات. لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون أن هذا الشعر هو في الأصل امتداد لخلايا جدار البشرة الخارجية للبذرة، ما يعني أن وجود الشعرة القطنية مرتبط تمامًا بوجود البذور.
وأوضح "فيصل"، أن غياب التلقيح والإخصاب في أزهار القطن يؤدي مباشرة إلى غياب تكوين البذور، وبالتالي تنعدم الألياف القطنية، وهو ما يؤثر بشكل كارثي على المحصول.
الحاضر: أرقام ومعادلات تكشف حجم التأثير
وقال أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا علم البذور بمركز البحوث الزراعية، في الوقت الحالي، تكشف الحقائق العلمية أن البذرة الواحدة من القطن المصري تحتوي في المتوسط على نحو 10,000 شعرة، ما يوضح مدى الترابط بين البذور والألياف. ولتوضيح الصورة بشكل أكبر، فإن محصول "القطن الزهر" يتكوّن من مزيج بين الألياف والبذور، حيث تمثل البذور نحو 60% من وزن المحصول الكلي، بينما تشكل الألياف حوالي 40%، وهذا يعني أن عدد البذور داخل اللوزة يؤثر بشكل مباشر على وزنها، ومن ثم على المحصول الكلي. فمثلًا، لوزة تحتوي على 6 بذور تختلف في الوزن والإنتاجية عن لوزة بها 12 أو 18 بذرة. وكلما زاد عدد البذور داخل اللوزة، كلما زادت كمية الألياف الناتجة.
وأضاف أن نمو البذور يتسارع بشكل ملحوظ خلال أول 18 يومًا من الإخصاب، ويصل حجمها إلى الاكتمال بعد حوالي 21 يومًا. وتُعد هذه المرحلة من أهم المراحل التي يمر بها نبات القطن، إذ تتطلب اهتمامًا بالغًا من حيث التغذية النباتية والحماية من الآفات.
المستقبل: حماية الزهرة مفتاح زيادة الإنتاجية
لضمان نجاح التلقيح والإخصاب، شدّد "فيصل"، على ضرورة حماية زهرة القطن من الحشرات الضارة، وعلى رأسها دودة اللوزة القرنفلية، التي قد تهاجم الزهرة قبل تحوّلها إلى لوزة، ما يؤدي إلى فشل التلقيح وتدمير المردود.
وأكد أن المحافظة على الإمداد الغذائي للنبات خلال هذه المرحلة الحرجة أمر ضروري لتعزيز الإخصاب وتحقيق أفضل النتائج، مشيرًا إلى أن توفير العناصر الغذائية في الوقت المناسب يمكن أن يصنع فارقًا حاسمًا في جودة وكفاءة المحصول.
من الزهرة إلى اللوزة.. ومن اللوزة إلى الذهب
وأختتم أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا علم البذور بمركز البحوث الزراعية إن ما يحدث داخل زهرة القطن من تلقيح وإخصاب، ليس مجرد تفاصيل بيولوجية، بل هو بداية لسلسلة إنتاجية تمتد حتى تصل إلى خيوط الملابس التي نرتديها. وبين الماضي والحاضر، ومع تطلعات المستقبل، تظل هذه المرحلة الدقيقة هي النبض الحقيقي لموسم القطن، الذي لا يتحقق نجاحه إلا بالوعي العلمي، والرعاية المتكاملة، والحماية المدروسة.