الأرض
موقع الأرض

السمسم في خطر والبقة الخضراء تترصده صيفًا

إسلام موسي -

قال الدكتور فيصل يوسف، أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا البذور بمركز البحوث الزراعية، خلال كل عام، ومع بدايات شهر أغسطس، يبدأ شبحٌ خفيّ في التسلل إلى حقول السمسم، مهددًا واحدًا من أبرز المحاصيل الزيتية في مصر والعالم العربي. إنها "البقة الخضراء" أو كما يسميها الفلاحون "الدبور الأخضر" أو "البقة النتِنة"، ليس فقط لرائحتها الكريهة، ولكن لما تسببه من دمار خفي يتصاعد تدريجيًا دون أن يلحظه الكثيرون حتى فوات الأوان.

من الماضي: ظهور تدريجي وخسائر متراكمة

على مدار سنوات مضت، ظلت إصابة السمسم بالبقة الخضراء Nezara viridula تمثل خطرًا موسميًا متكررًا، دون أن تلقى الاهتمام الكافي. الحشرة، التي تنشط خلال الفترة من أوائل أغسطس وحتى منتصف سبتمبر، تبدأ نشاطها بوضع البيض على أوراق النبات. وما إن تفقس هذه البيوض حتى تخرج منها الحوريات التي سرعان ما تبدأ في امتصاص العصارة النباتية.

الدكتور فيصل يوسف، أوضح أن الحوريات الصغيرة تُحدث بقعًا بنية اللون على كبسولات السمسم، والتي لا تلبث أن تتحول إلى سوداء مع تقدم الإصابة. الأخطر من ذلك، هو تغذية الحشرة على البذور الخضراء في مراحلها الأولى، حيث تخترق أنسجة النبات وتضخ إنزيمات لعابية تُذيب مكوناته، خاصة الأنسجة الغنية بالزيوت.

حاضرًا: تهديد مباشر ومكافحة دقيقة

اليوم، تمثل البقة الخضراء تحديًا فعليًا للمزارعين، خاصة مع صعوبة اكتشاف الإصابة مبكرًا. فالحشرة تمر بخمسة أطوار قبل أن تصل إلى البلوغ، وكلما تقدمت في نموها، ازدادت خطورتها. ويُعد الطور الخامس والحشرة البالغة هما الأشد فتكًا بمحصول السمسم، فيما تكون الأطوار الأولى أقل ضررًا نسبيًا.

في مواجهة هذا التهديد، يوصي الخبراء باستخدام المبيدات المناسبة وفقًا لمرحلة تطور الحشرة. فعند ظهور الحوريات أو الحشرات الكاملة، يمكن استخدام مبيد لمبادا 5% بمعدل 300 سم للفدان، حيث يحقق هذا العلاج نسبة إبادة تصل إلى 87%.

أما في حالة ظهور البيض – الذي يُعرف بين الفلاحين باسم "الزرار" – فإن استخدام مبيد البايفنثرين يُعد الخيار الأمثل، لفعاليته العالية في تقليل نسبة الفقس إلى نحو 13%. في المقابل، أثبتت بعض المبيدات الأخرى مثل ثياميثوكسام، لمبادا، وسبينوساد ضعف تأثيرها على البيض، ما يجعل البايفنثرين الخيار الأكثر فاعلية في هذه المرحلة الحرجة.

نحو المستقبل: خطة وقائية وتوعية مستمرة

بينما تتزايد المخاوف من تأثير التغيرات المناخية على توزع وانتشار الآفات الزراعية، يبرز خطر البقة الخضراء كمؤشر لما قد يحدث مستقبلًا إن لم يتم التعامل مع هذه الآفة بجدية. الوقاية تبدأ من الرصد المبكر، مرورًا بالتدخل العلاجي المناسب، وانتهاءً بتوعية المزارعين حول سلوك الحشرة ومراحل تطورها، ما يضمن حماية محصول السمسم وضمان إنتاجية عالية.

ويشدد الدكتور فيصل على أهمية تفعيل برامج المكافحة المتكاملة، وعدم الاعتماد الكلي على المبيدات، تفاديًا لمقاومة الحشرات وتدهور التربة. كما يدعو إلى تعزيز البحث العلمي لتطوير أصناف مقاومة، وتحسين الممارسات الزراعية لمواجهة هذا الخطر المتكرر.

واختتم البقة الخضراء ليست مجرد حشرة صغيرة تمر مرور الكرام على محصول السمسم، بل هي تهديد صامت يتطلب يقظة علمية وزراعية، وتعاونًا حقيقيًا بين الجهات المعنية والمزارعين. فكل كبسولة تتساقط، وكل بذرة تتعفن، تمثل خسارة اقتصادية وتهديدًا للأمن الغذائي، يستحق أن نُسلط عليه الضوء اليوم... قبل أن يُصبح واقعًا أكبر من أن يُحتوى.