تفريع الأرز.. سر المحصول الوافر بين العلم والممارسة الزراعية

أوضح الدكتور فيصل يوسف، أستاذ المحاصيل الحقلية وتكنولوجيا البذور بمركز البحوث الزراعية، أن التعامل مع التفريع في الأرز ليس اجتهاداً عشوائياً، بل علم دقيق له قواعده وفتراته الحرجة، ويتطلب معرفة عميقة بالتكوين الفسيولوجي للنبات والعوامل المؤثرة على نموه.
من الماضي إلى الحاضر.. متى يبدأ التفريع؟
وقال تبدأ عملية التفريع الفعّالة في الأرز منذ عمر 4 ورقات، أي بعد نحو 25 يوماً من الزراعة. وتصل هذه العملية إلى ذروتها – ما يُعرف بمرحلة "أقصى تفريع" (Maximum Tillering) – بين اليوم الـ50 والـ55 في زراعة البدار، أو بين اليوم الـ60 والـ65 في الزراعة الشتل، تبعًا لاختلاف الأصناف.
هذه النافذة الزمنية تمثل الفترة الذهبية للمزارع، حيث يكون التفريع خلالها مؤثراً بشكل مباشر على عدد السنابل، وبالتالي على الإنتاج النهائي للفدان.
كيف تحدث عملية التفريع في الأرز؟
لفهم آلية التفريع، يوضح الدكتور فيصل أن البراعم المسؤولة عن إنتاج الفروع – أو "الاشطاء" كما يسميها المتخصصون – تكون موجودة في قاعدة النبات، وتحديداً في منطقة البراعم الإبطية للأوراق الحرشفية تحت سطح التربة. وعندما تنشط هذه البراعم، تبدأ عملية التفريع بشكل طبيعي.
لكن هذا النشاط لا يحدث من تلقاء نفسه، بل يتطلب توافر مجموعة من العناصر الغذائية الأساسية، على رأسها النيتروجين والزنك، إلى جانب ظروف بيئية وزراعية ملائمة مثل جودة الري والتنوع الوراثي للأصناف المزروعة.
النيتروجين.. قائد عملية التفريع
يشير الدكتور فيصل إلى أن النيتروجين هو العنصر الأساسي الذي يُحفز التفريع في الأرز، حيث يجب أن تتراوح نسبته في النبات خلال هذه المرحلة بين 2.5% و3%. ومن هنا تأتي أهمية إضافة الجرعة الكبرى من السماد الأزوتي خلال فترة التفريع، لتوفير بيئة غذائية مثالية تضمن تنشيط البراعم ونمو فروع قوية قادرة على حمل السنابل.
الزنك.. العنصر الداعم وصمام الأمان
أما العنصر الثاني الذي لا يقل أهمية، فهو الزنك، والذي يلعب دوراً مزدوجاً في تنظيم التوازن الهرموني داخل النبات، خاصة بين الأوكسين (IAA) والسيتوكاينين، وهما هرمونا النمو الأساسيان. تحسين تركيز السيتوكاينين يؤدي إلى تعزيز التفريع، بينما يؤدي نقص الزنك إلى تثبيط نشاط البراعم الإبطية، وبالتالي انخفاض عدد الفروع المنتجة للسنابل.
كما أن الزنك يدخل في تركيب إنزيم "سوبر أوكسيد ديسميوتاز"، وهو أحد مضادات الأكسدة الحيوية، التي تقي النبات من آثار الإجهاد البيئي، كدرجات الحرارة المرتفعة أو نقص المياه.
المستقبل.. نحو زراعة أكثر دقة وفعالية
في ضوء هذه المعطيات، يؤكد الدكتور فيصل يوسف أن مستقبل زراعة الأرز يتجه نحو إدارة دقيقة للعناصر الغذائية، ومراقبة مراحل النمو بدقة، لتحقيق أقصى استفادة من فترات التفريع. ويُشدد على أهمية التوجيه والإرشاد الزراعي، وتبني المزارعين لممارسات قائمة على العلم، وليس على الاجتهاد فقط.
ختامًا، تظل الإجابة على سؤال المزارع حول "ما الذي يرشّه للأرز؟" مرتبطة بفهمه للمرحلة التي يمر بها النبات، وما يحتاجه من دعم غذائي في تلك الفترة. فالتفريع ليس مجرد عملية نمو، بل هو استثمار زمني ومادي، يعود على الفلاح بزيادة المحصول وجودته، عندما يُدار بشكل علمي ومدروس.