هل تنقذ التغذية الذكية الدواجن من الإجهاد الحراري؟

كشف الدكتور عبدالمنعم صدقي، أستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني بمركز البحوث الزراعية، أنه في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وارتفاع درجات الحرارة عالميًا، باتت صناعة الدواجن تواجه خطرًا حقيقيًا يتمثل في "الإجهاد الحراري"، الذي لا يهدد فقط صحة الطيور بل يمتد تأثيره إلى الاقتصاد الحيواني برمته.
وسلط الدكتور عبدالمنعم صدقي، الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، موضحًا أنها كانت ولا تزال من أبرز التحديات البيئية التي تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية الدواجن وكفاءتها الحيوية.
ماضٍ مثقل بالخسائر.. وواقع يستدعي الحذر
وأضاف في العقود الماضية، سجلت مزارع الدواجن انخفاضًا ملحوظًا في معدلات النمو والإنتاج خلال فصول الصيف الحارّة، حيث يؤدي الإجهاد الحراري إلى تراجع استهلاك العلف، وارتفاع معدلات النفوق بما يقارب 3.7 أضعاف، بالإضافة إلى انخفاض متوسط الوزن الحي للطيور بما يقارب 150 غرامًا.
وعلى المستوى الصحي، يتسبب هذا الضغط البيئي في اضطراب التوازن الأيضي والحمضي-القاعدي، وضعف الاستجابة المناعية، فضلًا عن تدهور صحة الجهاز الهضمي والتهابات الأمعاء واختلال في الفلورا المعوية، مما ينعكس سلبًا على جودة وسلامة المنتجات الحيوانية.
الحاضر... معركة الإدارة الذكية والابتكار التغذوي
لمواجهة هذا التحدي، طورت الأبحاث الحديثة استراتيجيات متعددة، تعتمد على الإدارة التغذوية الدقيقة والتحكم البيئي الذكي. أبرز هذه الاستراتيجيات:
تقييد التغذية خلال فترات الذروة الحرارية (مثلًا من 8 صباحًا حتى 5 مساءً)، مما يقلل من حرارة الجسم الداخلية ويخفض معدلات الوفاة.
استخدام العلف الرطب، وهو مزيج من الماء والعلف بنسبة 1:1، لتحسين الاستهلاك الغذائي وتخفيف آثار الحرارة.
رفع نسبة الدهون في العلف (بنسبة 5–8%) لتوفير طاقة أعلى دون زيادة الحمل الحراري الأيضي.
إضافة مضادات الأكسدة مثل فيتامينات C وE، والمستحضرات النباتية والبروبيوتيك لدعم المناعة وخفض معدلات النفوق.
توفير الإلكتروليتات والمعادن كالمغنيسيوم والزنك للحفاظ على التوازن الداخلي في جسم الطائر.
إلى جانب التغذية، تلعب البيئة المحيطة دورًا محوريًا في تخفيف حدة الإجهاد. فقد أثبتت الدراسات أن التهوية الجيدة، التبريد بالماء، ضبط الرطوبة، تصميم العنابر بشكل مدروس، وتقليل كثافة التربية عوامل أساسية لتقليل التوتر الحراري.
كما ظهرت تقنيات حديثة مثل التصوير الحراري بالأشعة تحت الحمراء وأنظمة التتبع الذكي لدرجات حرارة الطيور، ما يسمح بالتدخل المبكر لتجنب الأضرار.
نظرة نحو المستقبل... حلول جينية واعدة
وعلى جبهة البحث العلمي، برزت مؤخرًا تقنيات ثورية في مجال الوراثة، تهدف إلى إحداث تغيير طويل المدى في مقاومة الدواجن للحرارة.
من بين هذه التقنيات، ما يُعرف بـ "التكيّف الحراري الجنيني"، والذي يعتمد على تعديل درجات حرارة الحضانة خلال مراحل معينة من نمو الجنين داخل البيضة، مما يؤدي إلى "برمجة" حرارية للجينات تجعل الكتاكيت أكثر قدرة على تحمل الحرارة بعد الفقس، دون التأثير سلبًا على معدلات النمو.
كذلك، تسعى بعض المزارع إلى استخدام سلالات تمتلك جينات تحمّل حراري طبيعي، مثل "Naked Neck" و"Frizzle"، إلا أن هذه الخيارات ما تزال في مراحل التقييم الميداني وتتطلب وقتًا قبل تطبيقها على نطاق تجاري واسع.
الخلاصة: تكامل الحلول هو الطريق نحو الاستدامة
تُظهر التجارب أن دمج الحلول التغذوية والبيئية والجينية هو السبيل الأمثل لمواجهة الإجهاد الحراري. إذ إن الاعتماد على استراتيجية واحدة غير كافٍ، بينما التكامل بين ضبط التهوية والرطوبة، مع توقيت التغذية المناسب، وتقديم العلف الرطب الغني بالدهون والإضافات الغذائية، يمكن أن يقلل بشكل كبير من نسب النفوق ويحسن الأداء العام.
وفي ظل التغيرات المناخية المستمرة، فإن صناعة الدواجن مطالبة بتبني استراتيجيات استباقية وذكية، ليس فقط لمواجهة الحرارة، بل لضمان الاستدامة الغذائية وتوفير البروتين الحيواني الآمن لملايين البشر.