منتجات النعام تقتحم الأسواق وتدهش المستثمرين عالميًا

برزت تربية النعام كإحدى الفرص الواعدة التي قد تغيّر ملامح القطاع الزراعي والغذائي في البلاد، فما كان يومًا مشروعًا محدودًا في نطاقه، بدأ اليوم يتجه بخطى ثابتة نحو أن يكون ركيزة اقتصادية قوية، تملك مقومات المنافسة والإنتاج والتصدير، وتفتح آفاقًا صناعية غير تقليدية، في ظل تنوع منتجات النعام وقيمتها العالية.
من فكرة إلى صناعة متكاملة
في الماضي، لم تكن تربية النعام تلقى الاهتمام الكافي داخل مصر، واقتصر وجودها على مشروعات فردية وتجارب محدودة. لكن مع تزايد الوعي الغذائي، والتوجه الحكومي نحو تنويع مصادر الدخل وتحقيق الأمن الغذائي، بدأت وزارة الزراعة في دعم هذا النشاط، وأوقفت استيراد ريش النعام، ما فتح المجال لتشجيع الإنتاج المحلي وتعظيم الاستفادة من الطائر بالكامل.
ريش النعام.. صناعة رائجة تعود للحياة
شهد السوق المصري مؤخرًا انتعاشًا ملحوظًا في الطلب على ريش النعام، الذي لم يعد مجرد مخلفات تُلقى جانبًا، بل أصبح مكونًا أساسيًا في عدد من الصناعات اليدوية والفنية.
فمن المنفضات الفاخرة والوسائد، إلى زينة المنازل وكوش الأفراح، بات الريش سلعة مطلوبة تُظهر ذوقًا راقيًا، وتُسهم في خلق فرص عمل للمصممين والحرفيين، وتدعم الصناعات المحلية ذات القيمة المضافة.
جلد النعام.. من الروبيكي إلى الأسواق العالمية
أما جلد النعام، فهو أحد أغلى الجلود وأكثرها تميزًا في الأسواق العالمية. ويُنتج الطائر الواحد الذي يزن قرابة 100 كيلوجرام ما بين 14 و16 قدمًا من الجلد، تُستخدم في صناعة حقائب اليد الفاخرة، الأحذية الجلدية، المحافظ، والأحزمة.
وتُعد منطقة الروبيكي في مصر مثالاً حيًا على تطور عمليات دباغة جلد النعام، حيث وصلت المدابغ المحلية إلى مستويات تضاهي المعايير العالمية، وسط طلب متزايد على القدم المدبوغة التي يصل سعرها إلى 400-500 جنيه، مقارنة بسعر الجلد الخام الذي لا يتجاوز 250 جنيهًا، ما يعكس هامش ربح كبيرًا.
لحم النعام.. غذاء صحي يناسب العصر
في عصر تزايدت فيه معدلات الإصابة بأمراض القلب والدهون، يفرض لحم النعام نفسه كخيار صحي بامتياز.
فهو غني بالبروتين (بنسبة 24%)، ويفوق بذلك لحم البقر، في حين يحتوي على أقل من 0.05% من الكوليسترول، ما يجعله مناسبًا جدًا للأنظمة الغذائية الخاصة والمرضى.
كما يتميز بطراوته، وسهولة طهيه، وغناه بالحديد والفيتامينات، مما يجعله منتجًا واعدًا لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير.
دهن النعام.. كنز صناعي قيد الاكتشاف
يُعد دهن النعام من المواد الخام الثمينة التي لا تزال إمكانياتها غير مستغلة بالكامل في مصر.
فهو يُفصل بسهولة في شكل أكياس منفصلة داخل جسم الطائر، ويُستخدم في صناعة مستحضرات التجميل، كريمات المفاصل، الشامبوهات، ومنتجات العناية بالبشرة والشعر.
وقد حصلت بعض الشركات المصرية بالفعل على موافقات رسمية من وزارة الصحة لتصنيع وتسويق هذه المنتجات، ما يمهد الطريق أمام ابتكارات صناعية قد تجعل من دهن النعام عنصرًا رئيسيًا في قطاع الصناعات التجميلية والدوائية، خاصة في ظل وجود دول تنتج أكثر من 30 منتجًا من مشتقاته.
أحشاء النعام.. موارد لا تقل أهمية
حتى أحشاء النعام لم تُترك خارج دائرة الاستفادة، إذ تحمل قيمة اقتصادية حقيقية:
القلب: يزن نحو 800 جرام، ويُباع بمتوسط 240 جنيهًا.
الكبد: يصل وزنه إلى 1.5 كيلوجرام، ويبلغ سعره قرابة 525 جنيهًا.
القانصة: كبيرة الحجم وتُقدر بنحو 400 جنيه للطائر، ما يُظهر أن كل جزء من الطائر له سوقه واستخدامه وربحيته.
المستقبل.. صناعة متكاملة تنتظر الانطلاق
ما يحدث اليوم في قطاع تربية النعام بمصر ليس مجرد تجربة إنتاجية، بل هو تمهيد لبناء صناعة متكاملة تمتد من المزارع إلى المصانع، ومن الأسواق المحلية إلى التصدير.
المجال لا يزال في بداياته، لكن المؤشرات واضحة: النعام يمكن أن يكون جزءًا من الحل لأزمات الغذاء، ومصدرًا للدخل القومي، ومحركًا لنمو صناعات غير تقليدية تعتمد على الاستفادة الكاملة من الطائر.
رسالة إلى المستثمرين وصناع القرار
إن تربية النعام ليست مجرد مشروع زراعي بل منظومة اقتصادية متكاملة، تجمع بين الزراعة والصناعة والتجارة. ونجاحها يتطلب توجيه الدعم الفني والمالي، وتوفير التدريب اللازم، وتحفيز الباحثين والكيميائيين والمزارعين على التوسع في هذا المجال.في ضوء الإمكانات المتاحة والمردود المرتفع، قد يكون النعام هو الحصان الأسود القادم في سباق التنمية الزراعية والاقتصادية بمصر.