الثروة السمكية.. كنز مصر الأزرق يعيد رسم خريطة الاقتصاد

أكد الدكتور صلاح مصيلحي، رئيس جهاز تنمية وتطوير البحيرات والثروة السمكية، أن صادرات الأسماك أصبحت أحد أعمدة النمو الاقتصادي في البلاد، إذ تُسهم في تدفق العملات الأجنبية، وتخلق فرص عمل واسعة، وتفتح آفاقًا أرحب للمنافسة في الأسواق العالمية.
وأوضح مصيلحي أن هذا الحراك القوي يفرض على الشركات المصدّرة تبني أحدث تقنيات التصنيع، وتطوير المواصفات الفنية للمنتجات، واستخدام أدوات تسويقية أكثر تأثيرًا لمواكبة المنافسة الدولية، مؤكداً أن التحديث المستمر لم يعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية.
القفز بالأقفاص: مصر تتوسع في الاستزراع البحري
وفي إطار جهود الدولة لتعزيز الإنتاج السمكي، شهدت السنوات الأخيرة توسعًا كبيرًا في مشروعات الاستزراع السمكي بالأقفاص البحرية، والتي تُعد من أكثر أنماط الزراعة الحديثة فاعلية. ويُستخدم هذا النظام لتربية الأنواع النشطة من الأسماك، مع نسبة حصاد تصل إلى 100%، مما يقلل الفاقد مقارنة بأنظمة الاستزراع الأخرى.
وتتمتع الأقفاص البحرية بعدة مزايا، أبرزها سهولة الإنشاء وانخفاض التكلفة، إضافة إلى بساطة الإدارة، وسهولة مراقبة الأسماك، والتغذية، والحصاد. كما يوفّر النظام بيئة نظيفة للأسماك بفضل حركة المياه المستمرة، ويُحقق عائدًا مرتفعًا نظراً لتقليل نسبة النفوق وكفاءة استخدام الأعلاف، ما يجعل منه نموذجًا مثاليًا للتوسع المستقبلي.
نهضة البحيرات.. من الإهمال إلى الإنتاج المكثف
لا يمكن الحديث عن طفرة الثروة السمكية دون الإشارة إلى الإنجاز التاريخي في تطوير البحيرات الطبيعية، التي كانت مهملة لعقود، إلى أن جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعادة الحياة لها ضمن أولويات الدولة. وشهدت بحيرات مثل المنزلة والبرلس ومريوط نقلة نوعية، سواء من حيث إزالة التعديات أو تحسين جودة المياه والبنية التحتية، ما أدى إلى استعادة قدرتها الإنتاجية.
وأشار مصيلحي إلى أن هذه الجهود الشاملة انعكست على الواقع اليومي للصيادين، الذين لاحظوا تحسن الإنتاج ووفرة الأنواع السمكية، موجّهين شكرهم إلى القيادة السياسية على دعم هذا القطاع الحيوي.
المنتجات السمكية المصنعة.. استجابة لنبض المستهلك
من جهة أخرى، يشهد السوق المصري تحولًا في تفضيلات المستهلكين، حيث تزايد الإقبال على المنتجات السمكية سريعة التحضير أو نصف الجاهزة. ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل مجتمعية، منها التمدن السريع، وارتفاع نسبة النساء العاملات، وتزايد الوعي الصحي، بالإضافة إلى انتشار أجهزة التبريد والتجميد في المنازل، مما يسهم في حفظ الأسماك لفترات أطول دون فقدان الجودة.
ويرتبط هذا التغير في السلوك الاستهلاكي بتطور شبكة الطرق والمواصلات، ما سهّل وصول المنتجات إلى مراكز الاستهلاك في المدن الكبرى، إلى جانب إدخال الأسماك المصنعة في برامج التغذية الجماعية بالمؤسسات كالمستشفيات والمدارس والجامعات والقوات النظامية، وهو ما عزز الطلب المستدام على هذه المنتجات.
مستقبل واعد ضمن رؤية 2030
وفي ضوء أهداف رؤية مصر 2030، تسعى الدولة إلى رفع إنتاج الأسماك إلى 3 ملايين طن سنويًا، من خلال التوسع في مشروعات الاستزراع، وزيادة الصادرات، وضمان الأمن الغذائي. وتشمل الخطة الاستثمار في البنية التحتية عبر موانئ متخصصة ومرافق تعبئة وتغليف حديثة، لضمان جودة المنتج خلال مراحل النقل والتخزين والتسويق، مما يعزز من ثقة الأسواق الخارجية في السمك المصري.
كما تسعى الدولة إلى إدخال أحدث الأساليب العلمية في التخطيط والإدارة، والاستفادة المثلى من موارد البحرين المتوسط والأحمر، لتكون مصر في طليعة الدول المنتجة والمصدّرة للثروة السمكية.
كلمة للتاريخ.. عهد جديد للثروة الزرقاء
وصف الدكتور مصيلحي ما يحدث بأنه نقلة تاريخية لم تشهدها مصر منذ عقود. فبينما كانت البحيرات تتآكل من التلوث والإهمال، أُعيدت اليوم إلى الحياة بقرارات جريئة ومشروعات كبرى مثل بركة غليون، مثلث الديبة، الفيوم، وقناة السويس، لترسم ملامح جديدة لاقتصاد أزرق بات يُعوّل عليه في دعم الدخل القومي، وتأمين الغذاء للمواطن، وإيجاد فرص عمل لملايين الشباب.