الخميس 28 مارس 2024 مـ 04:53 مـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الزيتون عالي الكثافة في مصر .. لا للعشوائية

كثر الكلام حول موضوع الزيتون عالي الكثافة، وما زال يتخوف البعض من زراعته في مصر كنوع من الاستثمار الزراعي في الأراضي الجديدة.
في هذا التقرير بعض المخاوف والحلول، التي يستعرضها خبير في مركز البحوث الزراعية:

تأتي أولى مخاوف زراعات الزيتون عالي الكثافة في مصر والوطن العربي، من زيادة التكاليف للمستلزمات والميكنة والمعاصر والعبوات والتعبئة وخلافة، في ظل سوق عالمي متقلب ومنافسة قوية من الدول المتصدرة، وانخفاض الوعي الاستهلاكي لزيت الزيتون في السوق المحلي.

وثانية المخاوف، تتجسد في انتقال بعض الأمراض الخطيرة في شتلات الزيتون المستوردة، مثل بكتيريا "زيللا" بالتحديد، وخاصة في ظل قلة وجود مشاتل محلية معتمدة، خاصة لصنفي أربيكانا Arbequina وأربوسانا Arbosana، بالإضافة الي التأثير علي أداء المشاتل المحلية.

ومن المخاوف الرئيسية أيضا التي تحيط بملف الزيتون عالي الكثافة، جودة الزيت المنتَج من الزراعة المحلية للأصناف الأجنبية من الشتلات، وخاصة الحساسية للأكسدة، وعدم ثباتة خلال عملية التخزين بسبب انخفاض محتوى الزيت من الفينولات، وانخفاض نسبة حمض الأوليك، وارتفاع نسبة الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة.

تفنيد المخاوف

البعض يرد على هذه المخاوف بأن شتلات الزيتون عالي الكثافة موجودة بالفعل فى مصر منذ عشرات السنين، وتعمل بصوره ممتازة، لأنها في الأساس أصناف زراعات تقليدية، والصنف الثالث غير المتوفر بكثرة، هو صنف يشبه فى احتياجاته معظم الأصناف الأسبانية التى تزرع فى مصر، وأثبتت كفاءة عالية، إلا أنه يتفوق في خواصه الحسية والكيماوية العالية، كما يتفوق في نسبة العقد الثمري.

وفيما يتعلق بعدم الثبات وقلة محتوى الفينولات، فهذه الفرضية تتعلق بصنف واحد فقط، ويمكن العمل على تقليل حدة موضوع الاكسدة وعدم الثبات بعدة معاملات سواء بالحقل او بعد الحصاد، وكذلك المواصفات الحسيه والكيماويه فى هذا الصنف لها عده طرق للمعالجه سواء بعد الحصاد او عند التخزين نظرا لعدم توفر بعض المتطلبات البيئيه للصنف فى منطقتنا العربيه قبل الحصاد.

أما بخصوص التكلفة "العالية"، نعم بالفعل الزراعه المكثفه مكلفه فى البداية، ولكن تعمل على استرداد راس المال فى خلال السنه الثالثه والرابعه على العكس من الزراعه التقليديه المتوقع استرداد راس المال فى السنه السادسه.

ومن وجهة النظر العلمية والاقتصادية، فإن موضوع التكاليف لا يمثل عقبة، حيث أنه لا زراعة بدون تكاليف، ويصبح المهم هو التقنين وحسن الإدارة، خاصة إذا علمنا أن سوق الزيت العالمي ضامن لاسترداد التكاليف، خاصة مع تحسين جودة الزيت المنتج.

المشكلتان الحقيقيتان

1) إجراءات الحجر الزراعي في منع انتقال المرض أو حتى الحشرة، حيث أن تقارير انتشار المرض في كثير من الدول المنتجة لمشاتل الزيتون عالي الكثافة تثير القلق، بالإضافة إلى سوابق "غير طيبة" في انتقال بعض الآفات والأمراض "عابرة" الحدود trans-bondery pests أو حتي الغازية invasive pests للبيئة الزراعية المصرية، مثل سوسة النخيل والتوتا أبسلوتا، واخيرا دودة الحشد.

2) المشكلة الثانية، وهي المناخ، خاصة تكرار توابع ظاهرة النينو الصيفية، حيث يتوقع أن تتكرر كثيرا خلال السنوات المقبلة، وأهم مظاهرها الصيف المبكر شديد الحرارة، والتقلبات العنيفة في الربيع، والمقصود الخماسين الممتدة الساخنة وتأثيرهما المدمر علي الأصناف الأجنبية بالتحديد.
ويتوقع تكرار ما حدث في 2018 وموسم 2019 كثيرا حتي ولو كانت ساعات البرودة في المتناول، وهذا يقلص كثيرا اختيار المناطق الصالحة للزراعة عالية الكثافة، فوق خط عرض 27 ْ ش، أي مناطق مثل غرب غرب المنيا أو حتي الفرافرة والواحات البحرية.

والمناخ في مصر متغير بوتيرة أسرع من المتوقع، كما ان سيادة مناخات "محلية" شديدة التباين، هو أمر غريب لم يكن في حسبان خبراء المناخ والبيئة، وأيضا خبراء الزراعة الذين بدأوا في إنشاء مزارع، وخاصة الأشجار .

والزيتون هو الشجرة الوحيدة التي لها دورات نمو معقدة ومتراكبة ومتشابكة (دورة نمو ربيعية .. صيفية .. خريفية .. سكون ظاهري شتوي .. استيفاء برودة .. كسر طور السكون .. بداية موسم نمو ...انبثاق براعم زهرية خضرية زهرية .. تلقيح . اخصاب .. عقد .. الخ) ... ورغم أنها من أشجار المناطق شبه الجافة (ظاهريا) .. إلا أن مقتله في المناخ وليس التغذية أو أي عامل آخر.
وهذا يعني:
- تقدير وحساب استيفاء ساعات أو وحدات البرودة "المتصلة" وعلاقتها ببداية التكشف.
- حساب برودة أواخر الخريف والشتاء وعلاقتها بكمية الكربوهيدرات المخزنة واللازمة للتكشف.
- الصقيع ودرجات التجمد وعلاقته بالبادئات المرستيمية وحساب نسبة الضرر ، وهكذا.

الإجراءات المطلوبة لفك الاشتباك :

1 - عمل الخريطة المناخية الزراعية لاحتياجات أصناف الزيتون عالي الكثافة، فى المناطق الزراعية المقترحة قبل البدء فى اختيار هذه المناطق، من حيث توفر الاحتياجات المتصلة من البرودة (فى المستوى الآمن)، وتقدير حسابات الحدود المناخية الحرجة للعوامل المؤثرة على نمو وإنتاجية شجرة الزيتون وعلى الآفات والأمراض الهامة، الموجودة والمتوقعة.

2 - اعتماد نظام حجر زراعي فعال، وتقوية وتحسين نظام الكشف والتشخيص (أشخاص وأجهزة ومعدات).

3 - البحث عن سمات المقاومة في جرموبلازما الزيتون، وتعتبر واحدة من المجالات الواعدة للبحث التي ستؤدي إلى استراتيجيه متوسطة المدي للسيطرة علي X. fastidiosa في جنوب إيطاليا، وتقييد حركة البكتريا في النباتات المضيفة لاحتواء تأثير العدوى، وإمكانيه القضاء علي البكتريا بالتجميد.

4- تقوية وتدعيم دور البحث العلمي "الغائب" فى إكثار هذه الأصناف محلياً وتحسين خواصها من ناحية نسبة الزيت والمواصفات، وكذلك ملائمتها للزراعة عالية الكثافة، حيث بدأت أبحاثها عام 1990 باختيار ثلاث أصناف خاصة بالزراعة التقليدية، ليظهر 14 صنفا تستخدم في الزراعات عالية الكثافة.

المختصر

على مستوى المستثمر و قبل تفكيره فى بداية "نشاط" زراعي متوسط أو كبير الحجم فى اى منطقة فى مصر (او حتى الدول العربية)، لابد من دراسة ما يسمى "بالجدوى المناخية الشاملة"، ويعني باختصار دراسة التاريخ المناخي للمنطقة، وتحسب مدى الحيود عن "التاريخ"، لوضع "مصفوفة" التقاطعات (مناخ - محصول) .. على الزيتون.
والمطلوب ضرورة حساب وتقدير قيمة المؤشرات المناخية، وضربها في مؤشرات المحصول، لحساب تراكماتها، فإذا بلغت النسبة المجدية نستطيع الجزم بأن هذه المنطقة تصلح لإنشاء مزارع الزيتون، وأن الموسم سيكون ناجحا، أو يتطلب الأمر تدخلا نوعيا، وهكذا.