السبت 20 أبريل 2024 مـ 12:33 مـ 11 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

شاي بالياسمين

من منا ذهب يومًا إلى مصلحة حكومية لاستخراج أوراق رسمية أو إنهاء إجراءات سفر أو تعاقد أو حتى تسجيل شهادة وفاة، ولم يضع يده في جيبه ليخرج «إكرامية» موظف الشباك من أجل معاملة حسنة أولًا ثم سرعة إنهاء إجراءاته دون الاصطفاف في طوابير العذاب والمعاملات غير الآدمية .. ومن ممن يعملون في سُلطة أو منصب رفيع في الدولة ذهب إلى تلك الأماكن يومًا ولم يخرج هويته لموظف الشباك يساومه بجبروته ونفوذه أو ربما لتبادل الخدمات فيما بينهما، مقابل إنهاء إجراءاته وهو معزز مكرم حتى ولو كانت مخالفة للقانون ..

المشهد الذي جسده الفنان الراحل أحمد زكي في فيلمه "ضد الحكومة" والذي قال فيه وهو يقف في منتصف ساحة العدالة "كلنا فاسدون لا أستثنى أحدًا حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة"، لم يكن بمثابة مشهد عابر في فيلم سينمائي أو عبارات عشوائية من وحي خيال الفنان، وإنما حقيقة مرة يعيشها الكثير في بلادنا ممن سقطوا في بئر سحيق من الفساد، وباعوا ضمائرهم من أجل المال، مُعتقدين أنهم ما زالوا في جمهورية المحسوبية التي عاشوا فيها وعاصروها منذ قديم الأزل وتربوا في مدارسها العقيمة التي دمرت أجيالًا بكاملها.

 

وقائع الرشاوى التي تطالعنا بها وسائل الإعلام كل يوم لم تكن وقائع مستحدثة تم اكتشافها الآن ولم تقتصر فقط على وزير أو مستشار في محكمة أو مدير في عمله، وإنما هي ثقافة منذ زمن لشعب وجد نفسه أمام مناخ مهيأ وسهل للمحسوبية وشرب الشاي بالياسمين، كانت ترعاه أنظمة زائلة دفعت بأجهزتها الرقابية لدعم هذا المناخ والعمل فيه على خطى "شاهد ما شفش حاجه" يتجاهلون وقتها مروجي هذه الظاهرة ومرتكبيها، لسياسات ربما تفوق تفكير العقل البشري .

الضربات الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الرقابية مؤخرًا ضد أباطرة الرشوة في مصر ليست كفيلة وحدها بالقضاء على هذه الظاهرة التي تربت وترعرعت في بلادنا، طالما غاب الردع في تطبيق القانون وطالما اكتفينا فقط بالعقوبات التقليدية التي يتضمنها الدستور الحالي، فمواده الخاصة بهذه العقوبة هي بمثابة ضوء أخضر مهد الطريق أمام وقائع الابتزاز وتقاضى الرشاوى في مؤسسات الدولة، وسمح للمرتشين بالقيام بجرائمهم دون الالتفات إلى أي عقاب أو حساب، كما أن التوعية عبر وسائل الإعلام والمناهج التعليمية بخطورة انتشار هذه الظاهرة على المجتمع من أهم خطوات الإصلاح .

 

موضوعات متعلقة